عاجل: هذه تفاصيل الأحكام ضد الموقوفين الثمانية في قضية التسفير    قفصة: افتتاح فعاليات الورشة الوطنية للمشاريع التربوية البيداغوجية بالمدارس الابتدائية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    مع الشروق : ترامب.. مائة يوم من الفوضى !    أخبار الملعب التونسي : غيابات بالجملة والبدائل مُتوفرة    وزير الشباب والرياضة يستقبل رئيسي النادي الإفريقي والنادي الرياضي البنزرتي    عاجل/ من بيهم علي العريض: أحكام بالسجن بين 18 و36 سنة في حق المتهمين في قضية التسفير..    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    في افتتاح مهرجان الربيع لمسرح الهواة بحمام سوسة... تثمين للمبدعين في غياب المسؤولين    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    لماذا اختار منير نصراوي اسم 'لامين جمال" لابنه؟    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    أجور لا تتجاوز 20 دينارًا: واقع العملات الفلاحيات في تونس    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    عشر مؤسسات تونسية متخصصة في تكنولوجيا المعلومات ستشارك في صالون "جيتكس أوروبا"    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا بد من الاعتراف بأن مواجهتنا لمعضلة الأمية قد باءت بالفشل
بعد ثماني سنوات من إدارته لمنظمة «الألكسو»: د. المنجي بوسنينة يكشف ل"الصباح"
نشر في الصباح يوم 07 - 03 - 2009

أمننا الثقافي رهن حفاظنا على هويتنا دون انغلاق أو تحجر
تونس الصباح: شدد الدكتور المنجي بوسنينة، المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، على أن الأمن الثقافي العربي، يبقى رهن حفاظنا على هويتنا بعيدا عن أي انغلاق أو تحجر..
وأوضح في حوار ل "الصباح" من مكتبه بالعاصمة التونسية قبيل مغادرته بعد نحو ثماني سنوات كاملة من إشرافه على الوضع الثقافي العربي، أن الألكسو تحركت خلال هذه الفترة من أجل الإسهام في تجديد الخطاب الثقافي العربي..
وقال إن المنظمة اختارت في هذا السياق، أن تكون قاطرة التغيير في الوطن العربي، و"بيت الخبرة" في تعاملها مع مستجدات العصر وتحديات المستقبل..
ولاحظ أن الألكسو نجحت في تدشين حوار حضاري ضخم مع "الآخر، واستثمرت التحولات التي حصلت في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر للدخول في مرحلة إصلاحات على السياسات التعليمية والثقافية في العالم العربي، معلنا قرب إطلاق مشروع "أصدقاء الثقافة العربية"، وإنشاء كراسي للثقافة العربية في الجامعات الغربية، كتتويج لهذا الجهد الحواري مع الحضارات الأخرى..
وأطلق الدكتور بوسنينة، صيحة فزع إزاء حالة الأمية التي تنخر الجسم الاجتماعي العربي، داعيا إلى عمل عربي متضامن "تسهم فيه دول عربية بالتمويل، وأخرى بالخبرة"، لمواجهة هذه "المعضلة"، على حدّ وصفه..
لكن المدير العام للألكسو، أشاد بما وصفه "النهضة التعليمية والثقافية اللافتة التي تعيشها دولة قطر" خلال السنوات الأخيرة، ما يعني "وجود حراك هام في هذا البلد العربي" وفق تعبيره..
وفيما يلي نص الحديث..
حصاد وفير ..
* كيف تقيّم ثماني سنوات من العمل على رأس المنظمة؟ وما هي الإصلاحات التي حرصتم على إنجازها خلال مدة نيابتكم؟
ليس من السهل تلخيص إنجازات ثماني سنوات في بضع دقائق، لكنني سأحاول بإيجاز أن أشير إلى أهم ما تحقق خلال هذه الفترة، والتي عملنا أثناءها على وضع توجهات واضحة لسياسات المنظمة في مجالات التربية والثقافة والعلوم.. فقد اخترنا في هذا السياق أن تكون المنظمة قاطرة التغيير في الوطن العربي فيما يهم اختصاصها، وبيت الخبرة الذي إليه تعود الدول العربية في تعاملها مع مستجدات العصر وتحديات المستقبل.
لذلك سعينا إلى تعزيز الرصيد الاستراتيجي للمنظمة بوضع خطط واستراتيجيات لتطوير الواقع العربي في مجالات لم يسبق للمنظمة أن تطرقت إليها، مثل التعليم عن بعد، والمعلوماتية، ونشر الثقافة العلمية والتقنية، كما بادرنا إلى تحديث استراتيجيات أخرى لم تعد مواكبة للتغيرات التي طرأت على الوطن العربي وعلى العالم بأسره منذ نهايات القرن الماضي، ومن بينها" إستراتيجية تطوير التربية العربية".
وتدعمت هذه الإستراتيجية ب "خطة تطوير التعليم في الوطن العربي" التي أقرتها قمتا الرياض في 2007 ودمشق 2008.. وكانت المنظمة طرفا فاعلا في إعدادها بالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
ولقد شكلت هذه الخطة حدثا تاريخيا بحق في حياة المنظمة بل في حياة الوطن العربي كله، إذ جعلت من التربية شأنا مركزيا في قمة الهرم السياسي بالدول العربية وموضوعا قوميا بنفس الأهمية التي تكتسيها الموضوعات السياسية والاقتصادية في القمم العربية.
وإننا لفخورون بهذا التتويج القومي لعمل كانت المنظمة طرفا فاعلا في وضع أسسه، كما ستكون المحرك الرئيسي في تنفيذه خلال الأعوام القادمة..
اللغة والخطاب الثقافي
* لكن المنظمة اشتغلت على الملف الثقافي، أليس كذلك؟
نعم.. فعلى قدر اقتناعنا بضرورة تطوير التربية في الوطن العربي لتنهض بالأمة، كان عزمنا واضحا خلال السنوات الثماني الماضية على الإسهام في تجديد الخطاب الثقافي العربي وتطوير السياسات الثقافية في اتجاه ثقافة منفتحة على المستقبل وعلى الآخر المختلف عنّا، ثقافة ترفض الانغلاق والتحجر وتنظر إلى التراث على أنه قابل للقراءات المتجددة، وصالح للتوظيف في صيغ حديثة مواكبة للعصر. ومن هنا جاء حرصنا على تحديث "الخطة الشاملة للثقافة العربية" وكذلك عملنا الدؤوب، على إدراج الثقافة العربية في حوارات مع مختلف ثقافات العالم.
ولقد أردنا كذلك من هذه المشاركة الفاعلة في حوار الثقافات التعريف بإسهامات الثقافة العربية في رفد الحضارة الكونية بالإبداعات في شتى مجالات الفنون والآداب والعلوم، معتبرين من ناحية أخرى أن أمننا الثقافي رهن حفاظنا على هويتنا، دون انغلاق أو تحجر.
ومن ذلك جاء سعينا، خلال السنوات الثماني الماضية، لإصدار جملة من الكتب الموسوعية والمرجعية تعرّف بتاريخنا وتراثنا العلمي والأدبي، فكانت "موسوعة أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين " و"الكتاب المرجع في تاريخ الأمة العربية" و"الكتاب المرجع في جغرافية وطن عربي بدون حدود"، وهي مراجع تعكس لنا، في مرآة اليوم، صورة الأمس والغد.
* وماذا عن حصانة اللغة العربية التي تتعرض لكثير من التشكيك في عالميتها ودورها في حماية هوية المجتمعات العربية والإسلامية؟
لعل ذلك مما نفخر به حقا، فقد عملنا في سياق النهوض باللغة العربية على وضع هذه اللغة في مدار التقنيات الحديثة، من خلال وضع برمجية للاشتقاق الصرفي العربي، والبدء في وضع معجم حاسوبي تفاعلي للغة العربية.
وبالتوازي مع ذلك، سعينا إلى توفير مقر لائق للمنظمة، وقد أعاننا على هذا السعي عدد من قادة الوطن العربي أغتنم هذه المناسبة لأشكر لهم إسهاماتهم ومبادراتهم، وأحيي في المقام الأول القيادة التونسية التي تبرعت للمنظمة بقطعة الأرض التي يقام عليها مبناها، راجيا لهذا المشروع أن يكتمل في أقرب وقت.
هذا بعض مما أستحضره من الأعمال الكبرى للمنظمة في السنوات الثماني الأخيرة، وغيرها كثير وكثير. وهو في نهاية الأمر نتاج عمل جماعي أسهمت فيه بقسطي المتواضع وأسهم فيه غيري كذلك.
استحقاقات الإصلاح
* تزامنت السنوات الثماني الماضية مع تحولات مهمة على الصعيد الدولي، حيث كثرت مطالب الإصلاح وشكلت ضغطا لافتا على الحكومات العربية.. كيف عايشتم هذه الفترة ؟ وكيف واجهتم ضغوط الإصلاح هذه؟
فعلا، لقد تصادفت هذه الفترة مع تحولات كبرى ليس في العالم العربي والإسلامي فحسب بل في العالم بأسره. فقد كانت مقولات صدام الحضارات في أوجها عندما توليت أمور المنظمة في يناير 2001، وكانت العولمة تشغل بال الجميع في أقطارنا العربية... ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر فإذا بالعالم العربي متهم بالإرهاب، وإذا بالضغوط تسلط عليه من كل ناحية لكي يعيد النظر في مناهجه التعليمية ويقدم على إصلاحات سياسية ومجتمعية.
ونذكر جميعا أن الوطن العربي عاش خلال هذه المرحلة، فترة أخذ ورد، سيّما وقد كانت تتجاذب أقطاره نزعات ومواقف متناقضة بخصوص أسلوب التعاطي مع الواقع الجديد. لكن هذا المخاض أسفر في نهاية الأمر، ولحسن الحظ، عن عزم جماعي على الإصلاح والتطوير جسمه بيان القمة العربية في العام 2004، الذي قدم تصوّرا شاملا لتطوير الوطن العربي سياسة واقتصادا ومجتمعا وثقافة.
ولقد كان هذا السياق العربي العام عاملا مساعدا للمنظمة على الإسهام في بعض جوانب هذا التطوير، سيما الجانب المتعلق بالتربية والتعليم، حيث كان للألكسو الدور الأكبر في إعداد "خطة تطوير التعليم في الوطن العربي"، كما أشرت إلى ذلك آنفا، وكان لها كذلك إسهام فاعل في إدخال بعض المفاهيم والمضامين الجديدة إلى المنظومة التربوية العربية، مثل التربية على المواطنة، والتربية على حقوق الإنسان، والتربية على الحوار والتجمع.
أما على المستوى الثقافي فإن المنظمة، إزاء ما اجتاح الخطاب الثقافي العربي من مظاهر التطرف والانغلاق، عملت على تجديد هذا الخطاب من خلال تقديم صورة عن الثقافة العربية تؤكد انفتاح هذه الثقافة على الآخر واندماجها في العالمية وقدرتها على الحوار بعقلانية واعتدال. وكان ذلك بالخصوص من خلال المؤتمرات والندوات التي نظمتها الألكسو في نطاق محاورتها لمختلف ثقافات العالم.
من الصدام إلى التفاعل الايجابي
* اللافت للنظر أن الألكسو نشطت بصورة واضحة على مستوى فتح قنوات حوار مع الحضارات الأخرى، في الوقت الذي لم يكن الطرف المقابل (الآخر) يرى في هذا الحوار سوى مواعيد لمجرد تسجيل الحضور::
يجب أن أذكر أولا بأن اندراج الألكسو في حركة الحوار بين الحضارات والثقافات، كان لدواع كثيرة أذكر من بينها ضرورة إسهام الوطن العربي في التصدي لمقولات الصدام بين الحضارات والموجهة بالأساس ضد العالم العربي والإسلامي، كما أذكر كذلك ضرورة إبراز الوجه المشرق للحضارة العربية الإسلامية المفعمة بقيم التسامح والانفتاح على الآخر، وإظهار قدرتها على الحوار مع الثقافات الأخرى.
ولقد أكدت شخصيا، منذ قدومي على رأس المنظمة في بداية العام 2001، على هذا الجانب الهام من نشاط المنظمة، خاصة وأن أحداث سبتمبر 2001 وضعتنا أمام ضرورة نشر الصورة المضيئة للحضارة العربية الإسلامية، وتعديل الأفكار المسبقة في الغرب عن هذه الحضارة، وعن العرب والمسلمين عموما.
ولقد عملنا في هذا الصدد على التحرك ضمن صيغ مختلفة، بينها عقد ندوات الحوار بين الثقافة العربية ومختلف الفضاءات الثقافية في العالم، وأقمنا في هذا السياق لقاءات فكرية ناجحة بداية من عام 2002 وحتى اليوم مع أوروبا والفضاء الإيبيرو أمريكي والعالم اللاتيني، إلى جانب الثقافتين الروسية والألمانية. كما عقدنا ندوات نوعية للتعريف بمنارات الحضارة العربية الإسلامية، من شخصيات ومؤسسات وأعمال أدبية وفكرية وفنية.
ومن ناحية أخرى، أقمنا منذ عام 2001 شبكة واسعة من العلاقات مع عدد من المنظمات الدولية والإقليمية، مكنت المنظمة من أن تكون حاضرة في كل المحافل العالمية المعنية بالحوار بين الثقافات والحضارات والأديان، كما مكنتنا من برمجة العديد من الأنشطة المشتركة التي يشكل الحوار بين الثقافات محورها ومحركها. وأكتفي هنا بذكر المشروع الكبير الذي ننفذه حاليا مع مجلس أوروبا والذي يهم إعادة النظر في كتاب التاريخ في الفضاءين العربي والأوروبي، بغاية تعديل صورة الآخر فيه وتناول القضايا الحساسة في التاريخ المشترك بينهما بموضوعية أكبر.
وأضيف إلى كل هذا مشروعين هامين على وشك الانطلاق قبل نهاية هذا العام، أولهما مشروع "أصدقاء الثقافة العربية" والذي يهدف إلى استقطاب عدد من المفكرين والأساتذة الجامعيين والباحثين والإعلاميين الغربيين لمشاركتنا في التعريف بالثقافة العربية في بلدانهم. أما المشروع الثاني فيتعلق بإنشاء كراس للثقافة العربية في الجامعات الغربية، وذلك في تزامن مع إقامة شبكة للجامعات الأجنبية التي تدرس اللغة والحضارة العربيتين.
ويقيني أن تفاعل الأطراف التي دخلنا معها في حوار، كان تفاعلا إيجابيا وبناء، لأنها ببساطة كانت مثلنا مقتنعة بحوار الحضارات والثقافات، ولذلك اعتمدنا عليها لكي تكون لسان حال ثقافتنا لدى رأيها العام ونخبها الثقافية.
* لكن خطاب الصدام والعنصرية الذي نشاهده اليوم في الغرب، يعوق أي حوار أو تحالف بين الحضارات على النحو الذي تحدثت عنه منذ حين..
إن حوار الحضارات يستمد مشروعيته وجدواه، بالعكس، من هذه المظاهر السلبية التي ينبغي عليه محاربتها وعدم ترك الساحة فارغة أمامها لتستشري في جسد العالم. فالمطلوب، إزاء مقولات الصدام والعنصرية، أن نشكل في العالم كله شبه تحالف يعمل من أجل تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات، وهذا ما تم بالفعل حيث تشترك الألكسو مع مجموعة من المنظمات الدولية والإقليمية في عمل جماعي ينسق بهذا الاتجاه كانت آخر مظاهره الاجتماع الذي عقدته هذه المنظمة بكوبنهاغن (الدنمارك) من أجل وضع برامج في مجال التربية تخدم الحوار بين الثقافات والحضارات ومبادئ التسامح وقبول الآخر.
عائق تنموي
* في خضم هذه الجهود، ألا تعتقدون أن ارتفاع نسبة الأمية في العالم العربي، من شأنه أن يعيق أي محاولة للارتقاء بوعي المجتمع العربي؟
أنا أذهب معك إلى أبعد من ذلك، فالأمية لا تعيق فقط الجهود الثقافية من أجل الارتقاء بالوعي المجتمعي، كما جاء في سؤالك، بل تعرقل العمل التنموي الشامل في الدول العربية. إن الاقتصاد اليوم يتطلب عمالة ماهرة مثقفة تكنولوجيا، وتطوير المجتمع لن يتيسر بهذا الكم الهائل من الأميين، وكيف يمكن للإنتاج الثقافي، والمكتوب منه خاصة، أن ينتشر في غياب المتقبل المتعلم ؟
والألكسو واعية شديد الوعي بهذه القضية، بل إنها أدرجتها ضمن أولوياتها المطلقة في خططها وبرامجها، وهي لا تفتأ تحث الدول الأعضاء على اتخاذ سياسات جريئة في مجال محو الأمية، وتقدم لهم الإستراتيجيات والخطط المطلوبة في هذا الصدد، والنماذج التطبيقية المناسبة والمكيّفة مع البيئات والفئات المختلفة، كما تقدم لهم البرامج التدريبية المساعدة على تأهيل العاملين في هذا القطاع... لكن الحجم الهائل لهذه المشكلة مع ضعف الإمكانات المادية للتصدي لها يجعل التقدم بطيئا على طريق محو الأمية داخل عدد من الدول العربية المعروفة بكثافتها السكانية.
ولهذا فإننا نعتقد جازمين، أن هذه المعضلة لن يقدر على حلها إلا عمل عربي متضامن تسهم فيه دول عربية بالتمويل، وأخرى بالخبرة، تحت مظلة الألكسو. لكن لا بد من الاعتراف بأن التجربة التي أقيمت في هذا الاتجاه ضمن منظمة الألكسو قد باءت بالفشل، وعلينا إذن البحث عن صيغ أخرى أو الرضا بهذه الوصمة التي تشوّه جبين الأمة العربية.
فشل التنمية الثقافية العربية
* الملاحظ أنه على الرغم من مرور أكثر من خمسة عقود على بناء الدولة الوطنية في العالم العربي، ما تزال الحكومات تتحدث عن التنمية الثقافية.. ألا تعتقدون أن ذلك يعكس فشلا ذريعا في إرساء ثقافة عربية طوال هذه الفترة ؟
إذا كان الحديث لا يزال قائما في الدول العربية إلى اليوم عن خطط التنمية الثقافية، فهذا يعني أن الموضوع متجدد دائما، ويطرح في صيغ وإشكالات جديدة كلما تغيرت المعطيات المحيطة ببيئة العمل الثقافي. ففي عصر ثقافات المعلومات والاتصال مثلا، لا بد من طرح موضوع التنمية الثقافية من زاوية تفاعل الثقافة مع هذه الثقافات والتأثير المتبادل بينهما. وهذا ما طرحناه فعلا في مؤتمر وزراء الثقافة العرب الذي عقدناه بمسقط في ديسمبر 2006، وهو المؤتمر الذي شهد خروجنا بخطة لوضع الثقافة العربية في مدار الثقافات الحديثة.
ومن باب التكيّف مع متغيّرات العصر، أقدمنا على تطوير "الخطة الشاملة للثقافة العربية"، اقترحنا من خلالها على الدول العربية، تصورات جديدة للتنمية الثقافية تتناسب والمتغيّرات المطروحة وتتأقلم معها... وأنا متيقّن من أننا، بعد عشر سنوات، سوف نتحدث عن تنمية ثقافية من نوع آخر، وهكذا دواليك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.