عندما نصل الى هذه النقطة في رحلتنا مع أفكار صدام حسين لابد أن نطرح مجموعة من الاسئلة التي تنطوي على غير قليل من الاهمية سواء من الناحية النظرية الخالصة او من الناحية العملية التطبيقية وهي : هل يمكن ان تؤدي هذه التنمية الاقتصادية بالمنهج وبالصيغة و بالأسلوب الذي تحدث به عنها الى بناء الاشتراكية؟ وما هي ضمانات عدم تحولها الى مجرد رأسمالية دولة مثلما حدث في كثير من تجارب العالم النامي الاخرى والتي كانت ترفع ايضا شعارات الاشتراكية؟ واذا كنا قد استعرضنا – فيما سبق من صفحات – افكار (القائد) حول تصوراته وصياغته للعملية التنموية واتجاهات تطبيقها في العراق فما هو في رأيه دور الجماهير العراقية نفسها؟ وفيم يتمثل هذا الدور؟ وما هي ضمانات استمراره لا من جانب الجماهير فحسب وإنما من جانب القيادات نفسها التي قد يغريها النجاح في (موقعه) او في (معركة) فتتصور انها كسبت (الحرب) كلها و تستخف بالتالي بدور الجماهير او قد تستغني عنها نهائيا؟ يقول صدام حسين: كل تنمية، خطوة على طريق بناء الاشتراكية او خطوة الاشتراكية في اي بلد او في اي نظام. ولكن من جانب اخر ، لا يمكن تصور بناء نظام اشتراكي مزدهر قادر على ان يكون نموذجا في هذه المنطقة التي نحن جزء منها وقادر على تحقيق الرفاه المتزايد للشعب وتوفير مستلزمات الدفاع عن نفسه ومبادئه بدون تنمية كما ان التنمية في بلدنا لا يمكن إلا ان ترتبط ارتباطا وثيقا بالمنطلقات الاشتراكية للنظام وبرامجه المركزية بهذا الاتجاه وتعبر عنها تعبيرا دقيقا و صميميا لذلك فان النظرة لها تأخذ لون ونوع النظرة الى المنطلقات المبدئية لحزبنا في الميدان الاجتماعي والاقتصادي). إن صيانة الاشتراكية تقتضي وجود رافعة سياسية اساسية وهي الحزب. فدور الحزب والمقصود به الحزب الثوري هو أن يحمل ايديولوجية اشتراكية و يعتبرها من صميم مبادئه كما يدخل عنصر جديد اخر – وان كان يمثل وجها اخر للعنصر السابق – وهو : دور السلطة المتمثلة في النظام... وهو نظام يعبر عن ممارسة ايديولوجية الحزب في واقع محدد هو العراق، الحزب، السلطة بإيديولوجيتهما الواحدة يحولان دون تحول الاشتراكية الى رأسمالية الدولة ويضمنان مواصلة المسيرة التنموية الى افاقها المرسومة نحو تحقيق الاشتراكية. و في اللقاء الذي جرى بين صدام حسين وفيديل كاسترو في صباح الخامس عشر من ديسمبر عام 1978 وحضره عدد من كبار المسؤولين في الثورة الكوبية دار حوار مهم يمكننا ان نستمع الى طرف منه فهو يفيدنا في تأكيد المعاني السابقة : كاسترو : كلامكم (حكيم جدا) عندما تقولون نربح الوقت لان الوقت يعمل لصالح الثورة فالعراق يمكنه ان يتقدم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وعسكريا لقد حقق الاميون اول انتصار للجيش الكوبي ونحن الان نستدعي من المستوى المتوسط للجيش لذلك فنحن الان مدربون ومهيؤون اكثر، عندهم كفاءة وامكانية افضل لاستخدام الاسلحة... في حالة العراق الوقت يعمل لصالحكم لأنكم تقومون بتطوير البلد بكامله. حشد الجماهير وهذا ما لم يفعلوه في مصر. صدام حسين : لم يكن هناك حزب ثوري ولم يكن هناك غير عبد الناصر وقد كان ثائرا لكن عبد الناصر تختلف عن ظروفكم انتم بنيتم ثوارا قبل استلام السلطة وهو ما لم يفعله.. نحن في العراق قمنا ببناء ثوار قبل استلام السلطة.. وقد اعطى الحزب تضحيات وقدم شهداء وعانى من السجن والتعذيب وكان لابد من ذلك لإيجاد ثوار يعرفون كيف يحافظون على الثورة وعلى جعلها في خدمة الشعب لذلك فنحن لسنا قلقين ان قلقنا ينصب على كيفية تطوير برنامجنا بشكل اسرع كيف نختار صيغ التطبيق الاشتراكي؟ كيف نقضي على الامية التي يعاني منها سدس الشعب في ثلاث سنوات؟.... ان لدينا الان مليون وربع انسان ملتحقون بمراكز محو الامية بحماس. كاسترو : برغم الصعوبات نحن متفائلون. صدام حسين :اكيد وإلا لن نكون ثوريين. الشعب يعمل بإرادة الخير ومهما كانت حسابات الامبرياليين فإنهم لن يستطيعوا حساب قدرة الشعب بشكل دقيق انهم ليسوا اختصاصيين بالشعوب ان اختصاصهم في المخابرات. في الشر في الاستغلال اما كيف يتصرف الشعب من اجل مصلحته فان التجربة علمتنا دائما انهم يخطئون الحساب. يتبع