ذكر محمد عبد الوهاب أنه استمع لنجاة في عام 1946، وهي لا تزال طفلة، وحرص على إبداء النصح لأبيها بإبعادها عن الشهرة حتى تنضج موهبتها. انتبه عبد الوهاب إلى جماليات واضحة في صوت نجاة، أولها: أنها تنتمي من ناحية تقسيمات الأصوات إلى فئة»الميزو سوبرانو»، وهي فئة غنائية يقع مجالها بين الأصوات الحادة والأصوات المنخفضة، ما يجعلها تجيد الغناء بسلاسة في المناطق المتوسطة من الصوت. فالجملة اللحنية لا يعوقها غناء الدرجات الموسيقية المنخفضة ولا المرتفعة. ثانيا والأهم، أن غناءها يميل إلى التطريب، لكنه قائم بالأساس على فكرة «الصوت المستعار» بديلًا عن الصوت الطبيعي. والصوت المستعار هو الصوت المصطنع الذي يلجأ إليه بعض المطربين للوصول إلى طبقات غنائية غير موجودة في أصواتهم. فمن الثابت علميًّا أن مصدر الصوت، في كل أشكال الأداء الغنائي العربي أو الأوروبي، هو الحنجرة. بعد خروج الصوت من الحنجرة، تؤثر عوامل أخرى في تحديد طبيعة الرنين النهائي للصوت، منها قدرة المطرب على التحكم في النفَس الخارج من الرئتين، والتحكم في استخدام تجاويف المناطق المحيطة بالحنجرة، والتي يتردد فيها الصوت. المتأمل في غناء نجاة يجد أنها استخدمت كل هذه الأدوات المؤثرة في إخراج صوتها، بل إن أداءها في مراحلها الأولى كان يتلون وفقًا لمتطلبات اللحن وتنوع درجاته الموسيقية المختلفة.كل ذلك شكَّل في نظر محمد عبد الوهاب فرصة لا يجب أن تفوت، وهو القادر على التقاط كل الفرص العابرة. بدأ عبد الوهاب مسيرته اللحنية مع نجاة الصغيرة بأغنية «كل ده كان ليه»، والتي سجلتها نجاة في 13 مارس 1954، بأداء يغلب عليه الطابع الوهابي في الغناء. إنها طقطوقة ذات مذهب قصير وغصنين متشابهين في اللحن. ورغم النمطية الظاهرة في هيكل تلك الأغنية، من حيث مضمونها الشعري أو اللحني، إذ صاغها عبد الوهاب من مقام «البياتي»،ولم يخرج منه إلا ملامسًا نغمات مقاربة لذلك المقام، فإنها خدمت الصوت والغناء الموقع والمرسل (أي دون إيقاع)، ما جعل عبد الوهاب يعيد تقييم نظرته إلى تلك الأغنية بعد ذلك. ففي جوان 1954، وبعد ثلاثة أشهر من تسجيل نجاة الأغنية، أعاد عبد الوهاب تسجيلها بصوته، ومنع إذاعتها بصوت نجاة التي لم تعترض لأن اللحن كان هدية من ملحنها. ففي 1960، وعبر وساطة من الشاعر إسماعيل الحبروك، كتب نزار قباني قصيدة «أيظن؟» لنجاة. ووفقًا لكتاب «نجاة الصغيرة»، فإنها عرضتها على كمال الطويل ومحمد الموجي لتلحينها، لكنهما رفضا القصيدة بحجة أنها لا تصلح للتلحين، لتكتشف نجاة أن الموسيقار عبد الوهاب قد قرأ بالفعل القصيدة وشرع في تلحينها. (يتبع)