رغم الحياة الفكاهية، التي عاشها النابلسي في أدواره الفنية، إلا أن النهاية كانت مأساوية، فدائمًا ما يموت صانع البسمة حزينًا، بدأت برحيله من مصر عقب مشكلته مع مصلحة الضرائب، التي طالبته بتسديد مبلغ 13 ألف جنيه، واستمرت مع إفلاس أحد البنوك الذي كان يودع فيه أمواله، وانتهت بصراعه مع مرض القلب! ولقد قالت الفنانة صباح صديقة عمره وقتها و كانت رفيقته إلى تونس لتصوير فيلم «رحلة السعادة»، إنها كانت تسمع تأوهات ألمه من الغرفة المجاورة بالفندق رغم أنه كان حريصا على أن يفتح صنابير المياه حتى لا يعلو صوت توجعاته. لقد كان «النابلسي» يشعر بدنو أجله، لدرجة أنه كان يترك مفتاح غرفته من خارج الباب، وبعد عودته من تونس أخذت حالته تزداد سوءًا إلى أن امتنع عن الطعام تمامًا قبل أيام من رحيله، حتى كانت ليلة 5 جويلية 1968 حيث لفظ أنفاسه قبل وصوله إلى المستشفى، ولم تجد زوجته مصاريف الجنازة فتولى صديقه الفنان فريد الأطرش دفع المصاريف، وانهارفريد الأطرش مريضا حزنا على وفاة صديق العمر. فمن هو النابلسي؟ وما هي قصته مع جورجيت؟ الكاتب الفنان عبد السلام النابلسي هو فنان فلسطيني الأصل، ولقد عرفه الجمهور ممثلا كوميديا ومؤديا محبوبا لأدوار البطولة الثانية. وبملامح ممزوجة بين أبناء الطبقة الأرستقراطية، والحي الشعبي، وبلاغته في تحدث اللغة الفرنسية، حيث التركيبة الغريبة التي اقتحمت السينما المصرية، دون استئذان، قادمًا من بلاد السحر والفن، ليكون ابن الذوات، صديق البطل، وصاحب اللقطة الفكاهية في مشاهد الحبكة الدرامية، لكن الفنان الكبير الراحل، المولود بلبنان في 23 أوت عام 1899، لم يعرفه الجمهور ككاتب وشاعر على الرغم من عمله بالصحافة الفنية والأدبية في عدة مطبوعات، مثل مجلة مصر الجديدة وصحيفة اللطائف المصورة وصحيفة الصباح، وذلك قبل اتجاهه للسينما. وأتاح البرنامج التلفزيوني اللبناني «نجوم على الأرض»، الذي كانت تقدمه المذيعة ليلى رستم في أواخر الستينات، لعبد السلام النابلسي أن يقدم نفسه للجمهور ككاتب وشاعر، حين ألقى قصيدة في حب فيروز، وقرأ قطعة نثرية أخرى في مديح صديق عمره الفنان فريد الأطرش. وقال النابلسي، عن الأطرش: «فريد الأطرش، لحنٌ وغناء، أخلاق الملوك، فنان كبير جرى فنه في دمه وروحه وحياته، له في اللحن والغناء أسلوبه الذي لا يدانيه فيه أحد، فنه ينبع من شرقيته ومن وجدانٍ أصيل، أبرع من عزف على العود لا يزاحمه فيه مزاحم، تغنى بألحانه الناس وأخذ منها الغرب أغنيات رددها في مسارحه وإذاعاته وملاهيه ... كلمة منك تسعده وكلمة منك تسقيه، وهو دائم يجرح نفسه ولا يجرحك، له ألف أذن يسمع بها كلاما يؤذيه وهو لو شاء لاستمع بأذن واحدة إلى ما يطربه ويرضيه». وجمعت فريد الأطرش وعبدالسلام النابلسي صداقة طويلة، حيث قال النابلسي عنه إنه واحد من اثنين فقط يعتبرهما «نفسه»، في إشارة إلى فريد الأطرش والفنانة صباح. وكتب عن فيروز: «تراتيل قديسة وأصداء كنيسة.. ابتهال ساجد في المساجد وصلاة عابد في المعابد.. صوتها نور وبخور، ونفحة من عطور هو كالصديق عن الضيق يؤاسيك وينسيك ويشجيك. الحزن طابعه كأنه مولود معه ينوح مثل الحمائم أو كالدعاء في التمائم لا نظير له ولا ضريب، كأنه آتٍ من بعيد كالغريب، فيه لوعة واشتياق وجفوة وفراق ولقاء وعناق، يزيل الهم والكرب ويعلم حب الله وحب الحب، هي في جبين لبنان غرة، وعلى صدره درة. وتابع: «وآه لو أرخت لصوتها عنانه، ودعمت بالطرب الشرقي كيانه، وآه لو لم توقفه عن مداه وأطلقته على هواه إذن لكانت ماذا أقول؟ إعجاز غير معقول.. بل أراني الآن أقول هي كما هي في جبين لبنان غرة وعلى صدره درة». قصة حبه «ما اتخلقتش البنت اللي عبدالسلام يتجوزها»، جملة قالها الفنان الراحل عبدالسلام النابلسي، ردا على سؤال مذيعة في أحد البرامج الإذاعية «لماذا لم تتزوج حتى الآن؟» فأجابها بهذا الرد، ليستفز برده هذا فتاة تدعى جورجيت التي قررت أن تحادثه حينها، لتبدأ قصة الحب الخرافية لأشهر عازب في السينما المصرية، والذي كان يكره الزواج ولم يقتنع بالحب ولا الزواج وأهميته في حياة الشخص. ولقد قررت جورجيت أن تحادث عبدالسلام النابلسي، حيث جاء ل»النابلسي» مكالمة هاتفية من فتاة تقول له: «بالأمس قد قلت إنه لا توجد من تستحقك لا يا أستاذ النساء كثيرات جدا بينما أنت لا تستحق أيا منهن إنت كده زعلت كل ستات البلد، قالها عمرك كام، قالت له 18، قالها وبتديني دروس؟». تدور الأيام ويلتقي النابلسي، مع جورجيت ثابت، اللبنانية صاحبة المكالمة المجهولة وكان حينها يبلغ الأربعين عاما وهي في الثامنة عشرة ورغم فارق السن أحبها بجنون وظل يبحث عنها بعد تكرار المكالمات مع الفتاة المجهولة، باسم مستعار، لتحادثه بعد انقطاع فترة، ليقول لها «إنت فين أنا سالت عليك السمك في البحر»، إلى أن طلب مقابلتها ليلتقيا ويقرر أن يتزوج منها بعد مرور 5 دقائق من أول مقابلة. لاقى الحبيبان الكثير من الصعوبات بسبب قرار زواجهما، حيث لم يكن ممكنا أن يتزوجا مدنيا، لأنها مسيحية وهو مسلم وأيضا خوفها من إبلاغ أهلها بسبب فارق السن الكبير، ليعترضوا على الزواج بعد كتب كتابهما، ويحتجزوها في المنزل ويمنعوها من مقابلة النابلسي، ويرفعوا قضية فسخ عقد الزواج، ليقوم النابلسي باختطافها إلى مكان لا يعرفه أحد لمدة ثلاث سنوات إلى أن تصالح مع أهلها. ولقد كشف الفنان عبدالسلام النابلسي، عن قصة زواجه من «جورجيت»، والتي كان عليه خطفها من أجل إتمام الزواج. وقال النابلسي، خلال لقاء تلفزيوني نادر، مع الإعلامية ليلى رستم، أذاعه برنامج «العاشرة مساءً» على قناة «دريم»، أن الزوجة تنتمي إلى ديانة أخرى غير ديانة النابلسي، وهو ما جعل التقدم لأهلها من أجل خطبتها مستحيلا، لذلك فإن خطفها كان الحل الوحيد. وأوصى النابلسي أحد أصدقاءه، بالتحدث هاتفيا إلى أهل الزوجة لإبلاغهم أن «جورجيت» لم تختف وإنما تزوجت من النابلسي، موضحا أن أهلها حضروا وطلبوا إعادتها إلى المنزل ثم الكشف عن عقد الزواج، على أن يعيدوها إلى زوجها إذا كان العقد صحيحا. وأضاف أن شقيقها رفع قضية بفسخ عقد الزواج، مما اضطر النابلسي لخطف زوجته من أهلها مرة أخرى ثم السفر إلى بلد أخرى. وقالت «جورجيت»، خلال حوارها ببرنامج «العاشرة مساء» على قناة «دريم» مع الإعلامي وائل الإبراشي: «الفنان الراحل بكى بشدة عندما منعتني أسرتي من الخروج لفترة»، موضحة أن النابلسي لم يبكِ طيلة حياته سوى تلك المرة. ! ولقد رحلت جورجيت سبات يوم 2جوان 2018في صمت، وأسدل الستار على قصة حب ووفاء جمعت النابلسي وغادته الحسناء !