عندما اعتزلت التمثيل نهاية السبعينات، لم تكن تتوقع أن اسمها سيظل ثابتا في الذاكرة، والأيام لا تعرف شكل الثبات... كانت قد تركت أضواء الشهرة بعد أكثر من سبعين فيلما مع رموز السينما المصرية من يوسف شاهين إلى صلاح أبو سيف وحسن الإمام وكمال الشيخ، وغيرهم... وصفوها ب"مارلين مونرو" الشرق، والأيقونة، وملكة الإغراء، وظلت هي متحفظة على جميع الألقاب، تريد أن أكون في صورة الفنانة الشاملة، وتفاجىء محبيها بقولها إنها لا تحب الرقص، وأن مشاهد الرقص في أفلامها تطلبت منها أشهرا طويلة من التدريب على يد متخصصين، ثم تنسى هذا العالم وتعود إلى هدوئها وبساطة حياتها... "هند رستم" أيقونة توشح صدر السينما العربية... هي الممثلة الرمز... والأنثى الرمز، التي رحلت في هدوء ليلة الاثنبن 08 أوت إثر نوبة قلبية مفاجئة... رحلت "هند رستم" مخلفة وراءها إرث سينمائي لا يمكن تعداده، ولحظات لا تنسى ومواقف تكشف جانب الصدق والصراحة في شخصيتها... رحلت "هند رستم" والتي ملأت الدنيا فنا، وجمالا، وشغلت بال الناس ببهاء طلتها... ولذلك ظلت حاضرة في القلب والوجدان على الرغم من أنها انحسرت عن الأضواء مبكرا جدا، ووضعت حدا لمسيرتها الفنية مخيرة الحياة الزوجية على واستقرارها العاطفي والشخصي على عالم كانت سيدته بامتياز... رحم الله الممثلة والإنسانة "هند رستم" وإنا لله وإنا إليه راجعون... إنسانة واقعية لا تجيد الرقص توفيت الفنانة الكبيرة هند رستم، عن عمر يناهز 82 سنة، وذلك بعد إصابتها بأزمة قلبية حادة نقلت على إثرها إلى مستشفى البرج، وهناك لفظت أنفاسها وهند رستم هي واحدة من أهم الفنانات في تاريخ السينما المصرية والعربية، منذ أن قدمت مشاهدها الأولى في فيلم "غزل البنات" إلى أن تألقت مع المخرج حسن الإمام وبركات ويوسف شاهين وغيرهم من كبار مخرجي السينما المصرية... ولدت هند رستم فى11 نوفمبر 1929 بحي محرم بك بالإسكندرية لأب ضابط من أصل تركي وأم مصرية... وكان أول ظهور فني لها عام 1949 في أغنية "اتمخطري يا خيل" لمدة دقيقتين ك"كومبارس" تركب حصانا خلف ليلى مراد في فيلم "غزل البنات" مع نجيب الريحاني وليلى مراد ويوسف وهبي، ثم تتالت بعد ذلك الأدوار الصغيرة حتى التقت بالمخرج حسن رضا الذي تزوجها وأنجبت منه ابنتها "بسنت"... اشتهرت "رستم" بأدوار الإغراء في السينما المصرية في الخمسينيات وعرفت "بملكة الإغراء" ومارلين مونرو الشرق، لشبهها الظاهر بمارلين مونرو"، وإن كانت قد صرحت أكثر من مرة أنها لا تحب هذه الألقاب وترفض أن تحنط موهبتها في قالب واحد وهي التي قدمت أنماطا كثيرة ومتعددة من الأدوار والشخصيات... في رصيدها 74 فيلم أكثرها شهرة "باب الحديد" مع يوسف شاهين، "بابا أمين" مع فاتن حمامة، حسين رياض، كمال الشناوي، وفريد شوقي، "اعترافات زوجة"، و"الجسد" مع كمال الشناوي، "انت حبيبي" مع فريد الأطرش، شادية، عبد السلام النابلسي، وعبد المنعم ابراهيم، "لا أنام" مع فاتن حمامة، عمر الشريف، رشدي أباظة، مريم فخر الدين، يحيى شاهين، "رد قلبي" مع شكري سرحان، أحمد مظهر، صلاح ذو الفقار، حسين رياض، رشدي أباظة، مريم فخر الدين، زهرة العلا، فردوس محمد، "الأخ الكبير" مع محمد وفيق، فريد شوقي، أحمد رمزي، وفردوس محمد، "صراع في النيل" مع عمر الشريف ورشدي أباظة، "إشاعة حب" مع عمر الشريف، "سعاد حسني"، "يوسف وهبي"، و"عبد المنعم ابراهيم"، "نساء وذئاب" مع حسن يوسف عماد حمدي، "امرأة على الهامش" مع حسن يوسف وزيزي البدراوي، وكان "حياتي عذاب" مع عادل أدهم آخر أفلامها قررت بعده الاعتزال نهائيا بعد زواجها من الدكتور محمد فياض... وفي آخر حوار لها قبل وفاتها قالت "هند رستم" إنها تعيش حالة من الرضا بالرغم من اعتزالها الفن وتقدمها في العمر وذهاب الشباب والجمال، وأكدت أنها إنسانة واقعية تعرف أن لكل مرحلة عمرية ظروفها وخصوصياتها، وأنها محبة للحياة وعندما تشعر ببوادر الاكتئاب تسافر إلى باريس أقرب المدن إلى قلبها... وقالت أيضا إن أجمل لحظاتها عندما تخرج إلى الشارع وهي في الثمانين من عمرها ويتعرف عليها الناس ويتدافعون لتحيتها... ورثت الصرامة من والدها تنحدر "هند رستم" من عائلة ذات أصول تركية ووالدها رجل صارم يعمل ظابطا في البوليس المصري، ولم يكن والدها مرحبا بدخولها عالم التمثيل ولذلك قاطعها ولم يعد حبل الود بينهما إلا عند اعتزالها الفن وزاجها من الدكتور "محمد فياض"... و لم تكن "رستم" تفضل السهر مع زملائها من الوسط الفني، بل كانت دائما تفضل الذهاب إلى منزلها بعد انتهائها من تصوير أفلامها، وترى أن عدم انغماسها في الوسط الفني بشكل كبير ساعدها كثيرا في اتخاذ قرار الاعتزال من أجل زوجها الدكتور "محمد فياض" وهي في ذروة نجاحها وشهرتها، ولم تندم على هذا القرار لأنها تفرغت إلى دعم زوجها الذي صار اسما كبيرا في ميدان الطب النسائي، واستمرت الحياة بينها نصف قرن من الزمن لم تثمر أطفالا، ولكنها خلفت أجمل الذكريات التي عاشت بها ما تبقى من عمرها بعد رحيل زوجها... وخلافا لصورتها في السينما، ورثت "هند رستم" الصرامة والشدة من والدها الضابط المصري من أصل تركي، ولم تكن متسامحة مع ابنتها من زواجها الأول، حتى إنها سارعت بتزويجها وهي في سنتها الجامعية الأولى... ورفضت "رستم" إغراءات مالية كثيرة لتحويل حياتها إلى برناج تلفزي معتبرة سيرتها ملكا خاصا بها وغير متاحة للاستهلاك الفني... ولم تغضب من تشبيه البعض هيفاء وهبي مؤكدة إعجابها بهذه الفنانة الأنثى، وقالت إنها تراها نموذجا للأنوثة والإغراء، ووصفتها ب"النمرة البيضاء" ولكنها ترى نانسي عجرم أكثر تمكنا منها في التمثيل لأنها "خفيفة الدم" وتتضح موهبتها في كليباتها... أما "اليسا" فوصفتها بالأنثى المعتدة بنفسها، وجمالها فيه لمسات من الكبرياء... عادل إمام أهم من أحمد زكي لم تكن الممثلة "هند رستم" راضية على الساحة الفنية بعد اعتزالها، وكانت تصرح دائما بأن عدد الفنانين المقنعين قليل جدا جدا والكل يتسابق لنيل أجر عال على حساب القيمة الفنية... وفي تصريح مراوغ قالت "هند رستم" إن "عادل إمام" هو الأفضل والأذكر والأكثر موهبة لأنه متخرج في المدرسة المسرحية، واعتبرت "أحمد زكي" أقل موهبة منه، وتستغرب كثيرا من شعبيته وجماهيريته الكبيرة، ووصفت "عمر الشريف" بأنه وسيم ومجتهد وهو الفنان العربي الوحيد الذي استحق العالمية... واعتبرت الفنانات أنصاف موهبة وقالت إنها تحترم ن بينهن جميعا "لبلبة" و"نبيلة عبيد" وكلاهما قليل الحضور، فيما وصفت "يسرا" بالفنانة المحدودة وبأن كل ما تتميز به في أعمالها الدرامية هو أزيائها... رحم الله "هند رستم" التي ملأت الدنيا بأفلامها وتصريحاتها... قالو عن الراحلة هند رستم: حسين فهمي: فنانة متمكنة ورائعة وحيد حامد: حالة خاصة في السينما لبلبة: امرأة سوبر وراقية جدا للفنانة الراحلة "هند رستم" حضور آسر سيمنحها الخلود في ذاكرة جمهورها الكبير... وهي تحظى بالاحترام من كل زملائها على الرغم من أنها لم تكن على صلة وطيدة بهم... وفي هذه السطور كلمات قالها "حسين فهمي"، "لبلة"، والسيناريست "وحيد حامد" في "هند رستم" الممثلة والإنسانة التي عرفوها... حسين فهمي شاركت الفنانة هند رستم بطولة فيلم "ملكة الليل" عام 1971 مع الفنان الكبير يحيي شاهين وسعدت وقتها بوقوفي أمام هؤلاء النجوم في بطولة فيلم "ملكة الليل" والذي أديت فيه دور زوج ابنة الأستاذ الجامعي "يحيي شاهين" والذي حاول إبعاد ملكة الليل عن الزواج من والد زوجته، وفي سبيل ذلك بدأ في محاربتها من أجل عرقلة هذه الزيجة. ويضيف الفنان حسين فهمي "جمعني بالفنانة الراحلة هند رستم في هذا الفيلم أكثر من مشهد ووجدت نفسي حينها أمام فنانة كبيرة، متمكنة من أدواتها، رائعة الآداء، ملتزمة جدا بتوجيهات المخرج، وتحترف كل من يشاركها التمثيل إن كان نجما أو ممثلا مبتدئا... هذه الخصوصيات هي التي كونت نجاح "هند رستم"، ونحن خسرناها مرتين الأولى عندما اعتزلت الفن سنة 1979، والثانية بوفاتها ورحيلها... رحمها الله.. لبلبة "هند رستم" امرأة استثنائية في كل شيء... جميلة وخجولة... على مدى سنوات تربعت على عرش الأنوثة والإغراء في السينما، ومازالت إلى اليوم الملكة بلا منازع وهي في حياتها محافظة جدا وصارمة... عرفتها إنسانة في منتهى الرقة... امرأة "سوبر"، راقية، تفهم في الفنون، تشعر في منزلها أنك أمام فنانة كبيرة، كل لمسة فيه تضيء على شخصيتها الراقية... لها فضل كبير على السينما المصرية والعربية التي لا تنسى فضلها بما قدمته من أفلام ممتعة وأدوار متميزة، وأنا شخصيا مازالت إلى اليوم حريصة على مشاهدة بعض أفلامها التي تعرضها القنوات التلفزية وأعتبر أن أجمل ما قدمت من أفلام هي "صراع في النيل" و"رد قلبي" و"الأخ الكبير" و"بين السماء والأرض" و"الخروج من الجنة" مع الموسيقار الكبير فريد الأطرش... رحم الله الفنانة الكبيرة هند رستم وأدخلها فسيح جناته.. وحيد حامد رحم الله الفنانة "هند رستم" التي قدمت الكثير من الإضافة للساحة السينمائية بأعمال متميزة، كما أدت دورها في الحياة كزوجة صالحة ونموذج لا يتكرر إلا نادرا في أوساط الفنانين، ولذلك هي دائما جديرة بالتقدير والاحترام... هند رستم حالة خاصة في الفن والسينما... كانت أنثى مغرية، وموهبة طاغية، لم تستطع كل من حاولت بعدها أن تكون نسخة منها في سحب البساط منها، على الرغم من أنها اعتزلت وتركت لهم الجمل بما حمل ولكنها ظلت متربعة على عرش الأنوثة والإغراء من دون إسفاف... ولا يسعني في هذه اللحظات إلا أن أدعو لها بالرحمة والمغفرة وأن يسكنها الله فسيح جناته ويلهم أهلها الصبر والسلوان.