مع اقتراب موعد الانتخابات، بدأت «نوايا» بعض السياسيين تظهر بصفة صريحة بين راغب في الترشح للرئاسية ومُتحمس لخوض غمار التشريعية. غير ان هذه الاخيرة تبدو الاكثر «جاذبية». تونس – الشروق- في انتخابات 2014، تقدم في البداية ما لا يقل عن 70 مترشحا للرئاسية لم يُقبل منهم في النهاية إلا 27 مترشحا. وهو ما يدفع إلى التساؤل إن كان هذا الرقم سيتكرر بمناسبة رئاسية 2019 أم أنه عكس ذلك قد لا يستقطب التنافس على كرسي قرطاج كثيرين هذه المرة مقابل الاقبال بكثافة على التشريعية؟. الرئيس «المُقيّد» بعد 5 سنوات من التجربة الديمقراطية المنبثقة عن انتخابات 2014، وقف التونسيون على واقع سياسي جديد لم يكن لهم به عهد طيلة أكثر من 50 عاما وهو واقع رئيس الجمهورية المُقيد بصلاحيات محدودة لا تسمح له بالتدخل كثيرا في تسيير شؤون البلاد وفق ما ضبطه دستور جانفي 2014. مقابل ذلك، ظهر رئيس الحكومة طيلة هذه الفترة في مظهر الحاكم الحقيقي والفعلي للبلاد بالنظر إلى اتساع رقعة صلاحياته الدستورية. وغير بعيد عنه، ظهر أيضا مجلس نواب الشعب مُتحكما مفصليا في الشأن العام وممسكا بأغلب مفاتيح الحل والربط في عدة مجالات عبر التصويت على الملفات الكبرى والحساسة وعبر تزكية الحكومات ومراقبة عمل الحكومة ومساءلتها وانتقادها وأيضا عبر التحكم في التوافقات الضرورية لتسهيل عمل الحكومة او للتصويت على القوانين الخلافية او لانتخاب اعضاء الهيئات الدستورية. وفي خضم ذلك ظهر نواب البرلمان (لا سيما نواب الكتل الكبرى) في مظهر السلطة القوية والفاعلة التي لها هامش تحرك كبير وسلطة معنوية كبرى في مختلف المجالات. تخطيط للتشريعية هذا الواقع الذي مرت به البلاد خلال السنوات المنقضية جعل منصب رئيس حكومة أو منصب وزير أو خطة نائب في البرلمان تكون لدى البعض أفضل من منصب رئيس الجمهورية. وهو ما بدأ يتضح تدريجيا من خلال تحركات السياسيين بمناسبة الحملات الانتخابية السابقة لأوانها التي انطلقت منذ أشهر. فأغلب الأحزاب بدت حريصة في الآونة الأخيرة على العناية بمختلف الجوانب التنظيمية والهيكلية داخلها وبعضها شرع في الاعداد لتنظيم مؤتمراتها الانتخابية وفي العناية بالجهات من خلال التخطيط لحشد أكثر ما يمكن من أنصار وقواعد فيها وتحضير من سيمثلهم بتلك الجهات في الانتخابات التشريعية. كما أن الأطراف السياسية (أحزابا ونوابا) التي تحتل اليوم مواقع في البرلمان بدت عليها أيضا بوادر الرغبة في المحافظة على كراسيها في البرلمان من خلال محاولة البروز في الآونة الأخيرة والترويج للنفس عبر ما يشبه الحملات الانتخابية المبكرة. ترسّخ ثقافة «البرلماني» هذا المشهد يترجمه المراقبون بالقول انه بمثابة التحوّل في الثقافة السياسيّة لدى السياسيين التونسيين وشروع منهم في تقبّل النظام السياسي البرلماني (رغم أن النظام على أرض الواقع هو شبه برلماني) بعد أن ظل النظام الرئاسي غالبا على الاذهان على مدى أكثر من نصف قرن. فالنظام البرلماني (وكذلك شبه البرلماني) يعطي سلطة كبرى للبرلمان وأيضا لرئيس الحكومة وبدرجة أقل لأعضائها، عكس السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية، وهو ما يؤكد أهمية الانتخابات التشريعية فيه. فبفضل التشريعية يمكن الحصول على اغلبية في البرلمان تكون قادرة في ما بعد على لعب دور مفصلي ومتقدم في منظومة الحكم. وبفضلها أيضا يضمن الحزب الفائز (صاحب أكبر عدد من المقاعد في البرلمان) ترؤس الحكومة وفق ما ينص عليه الدستور، وهو ما يجعل من الانتخابات التشريعية الطريق الامثل لتولي السلطة الحقيقية في تونس اليوم عكس الانتخابات الرئاسية التي لم تعد تؤدي سوى إلى منصب رئيس محدود الصلاحيات.