يتساءل صدام حسين، عن سر قوة أمريكا و تحكمها في العالم، وسيطرتها على مراكز النفوذ والقرار الدوليين. فيقول أين تكمن قوة امريكا؟ وماهو العامل الاساس في قوتها خارج أرضها؟ ثم يجيب : ان العامل الاساس هو في تحالف اوروبا واليابان معها.. فإذا كانت الطاقة تمثل شريان الحياة الاقتصادية للمجتمع الصناعي الاوروبي فإن من يمتلك قدرة التأثير الجدي في الشرق الاوسط – المصدر الاول بالنسبة لاوروبا واليابان – سوف يستطيع إحكام قبضته عليهما). ووضع القضية بهذه الصورة ويطرح مسألتين : اولاهما : تحرير هذه الطاقة من قبضة النفوذ والاستغلال الأمريكي وبالتالي تحرير اوروبا واليابان على الأقل في حدود تأثير هذا العامل القوى على حياتهما واقتصادهما من سيطرتها ايضا. ثانيتهما : استثمار هذه الطاقة في حقل العلاقات الدولية وتوظيفها سياسيا بحيث تأتي بمردود ايجابي لصالح قضايانا العربية. وفي مقدمتها قضية الصراع العربي – الصهيوني الراهن. إن النفط الحر، أي المؤمم لصالح أهداف الشعب العربي في الحرية والاستقلالية والتنمية الحقيقية الشاملة، يباع وفق سياسة العراق ومصالحه الدولية وفي إطار استراتيجيته العربية والدولية. بينما سوف لا يكون للنفط الآخر نفط المشاركة في السعودية والكويت او في أماكن أخرى نفس القدرة على التأثير فبالإضافة الى ان لأمريكا وبعض الدول الغربية الاخرى حصة الاسد فيه ولقد تمكنت – بعد تأميم النفط العراقي وارتفاع المد الشعبي المطالب بتأميم النفط العربي في كل مكان – ان تخفي شكل العلاقة الاستغلالية الامبريالية السافرة له خلف صيغ عقود شراء طويلة الأمد تحقق عمليا الجانب الأكبر من أهداف الامتيازات القديمة وتجنب الدول الامبريالية المفاجآت المضرة بمصالحها والمضادة لسياستها فإنه في حساباتها السياسية يدخل كعنصر أساس في مسألة التحالف بين امريكا و أوروبا واليابان ويقوي من قبضتها عليهما ويدعم مواقع ومراكز التأثيرات الأمريكية في السياسة الكونية بشكل عام. ومن هنا لم يكن تأميم النفط العراقي تحررا من استغلال الشركات الاحتكارية وهيمنتها السياسية فحسب. وانما كان ايضا تحريرا لجانب من الإرادة الأوروبية نفسها من سيطرة القبضة الأمريكية عليها ومن تحكمها شبه المؤمل في سريان الدم داخل شرايين الحياة الاقتصادية بداخلها. ولكن ما معنى التوظيف السياسي للطاقة النفطية لصالح القضايا العربية عموما – والقضية الفلسطينية على رأسها – فضلا على القضايا الوطنية المتعلقة بالقطر العراقي وتطوره؟ وهل بوسع العرب ان يكونوا مؤثرين الى حد امكان المشاركة في صنع اتجاهات السياسة الدولية للقوى الكبرى في هذا العالم؟ لاحاجة بنا الى القول قبل الدخول في تفصيلات وجهة نظر صدام حسين الاستراتيجية في هذه المسألة الحيوية البالغة الاهمية من مسائل مستقبل الوطن العربي واتجاهات تطوره ان سيطرة العراق على ثرواته النفطية – وهو المثل الذي ينبغي أن يستلهم من جانب بقية الاقطار العربية النفطية – قد اتاح له القدرة الكاملة على تحرير ارادته تماما من اية ضغوط خارجية حيثما كان مصدرها فيما يتعلق باختياراته الخاصة لطرق تنمية اقتصاده ومجتمعه تبعا لظروفه الموضوعية ومقتضيات رؤيته الاستراتيجية الاجتماعية والسياسية بعيدا عن اي تأثير معوق او معطل لمراكز الاستقطاب التكنولوجية في عالمنا المعاصر. ان هذه الحقيقة التي تنطوي على بعد عملي اكسبه التطبيق الناجح والذكي دلالاته القوية تتضمن ايضا بعدا نظريا لايقل اهمية ولا ينبغي تجاهله. ذلك ان القدرة الاقتصادية التي اتاحها ارتفاع اسعار النفط في ظل سلطة ثورية وقيادة تتوجه بالمجتمع نحو آفاق الاشتراكية تحت رقابة حزب جماهيري له ايديولوجيته القومية التقدمية قد وضعت حدا لتلك المقولة الرائجة في اوساط الاشتراكيين والتقدميين. وهي ضرورة الارتباط العضوي بالمجموعة الاشتراكية العالمية في عمليات التصنيع والتنمية بشكل عام لتجنب مخاطر التبعية للدول الامبريالية وعودة الاستعمار الجديد ففضلا على ان الدول الراسمالية الغربية المتطورة في ظل المنافسة الدولية الحادة بل وتحت ضغط ازمتها الاقتصادية الداخلية غير قادرة على احتكار او حجب انجازاتها التكنولوجية بشكل كامل عن الدول النامية عموما فإن القدرة المباشرة على دفع ثمن هذه التجهيزات بدون شروط وبدون ضغوط وبدون عسر لاينقض مقولة التبعية فقط ولايتيح فرصا اكبر لاختيار الأصلح والأكثر تطورا فحسب وانما يجعل من هذه الاختيارات عنصرا في تعميق التناقضات بين الدول الراسمالية نفسها ويتيح الضغط عليها من اجل دعم ومساندة القضايا العربية. ولعل ذلك كله لايجد تعبيراته الواضحة في مواقف دول السوق الاوروبية المشتركة بشكل عام وفرنسا بشكل خاص التي باتت اكثر ميلا واقترابا من التفهم السليم لتلك القضايا العربية وانما يجد انعكاسة ايضا في المواقف المرنة حتى من ناحية الشكل التي تتخذها الولاياتالمتحدةالامريكية نفسها ازاء بعض القضايا العربية احيانا. (يتبع)