وطرح المندوب العراقي يومها صيغة محددة هي، أن على الدول النفطية القادرة على التأميم ان تؤمم حصة أمريكا. وتهدد كل دولة تقف مثل موقف امريكا بتأميم حصتها. ويجب ألا يسوّق النفط المؤمم الى نفس الجهة. بل يباع الى الشركات والدول الاخرى للاستفادة منه في العالم وتعزيز مواقف السياسة العربية في علاقاتها الخارجية. أما الدول العربية التي لا تستطيع التأميم فعليها قطع النفط عن امريكا فعليا. وعليها ان تقطعه ايضا عن اية دولة تقف مثل مواقف امريكا. وعندما قامت حرب أكتوبر 1973، كان العراق اول من سارع الى وضع اقواله ومقترحاته في التطبيق العملي. و اتخذت القيادة السياسية مساء السادس من اكتوبر - يوم بداية الحرب - قرارا أعلن صبيحة السابع من اكتوبر بتأميم حصة امريكا في شركة نفط البصرة بسبب موقفها تجاه قضية النضال العربي. وأرسلت مبعوثين عنها الى دول عربية نفطية اخرى كي تحثهم على اتخاذ مثل هذا القرار او حتى ما تراه مناسبا لها ودون مستواه. فقيل لهم بوضوح إننا لا يمكن ان نستخدم هذا الطريق. نحن ندفع اموالا أما أن نلعب بالنفط فتلك مسألة مرفوضة. ومع تصاعد الحرب وانتصاراتها المدوية في ايامها الاولى – ولقد زج فيها العراق بجيشه على الجبهة الغربية - واندفاع درجات الحماس الجماهيري الى اقصاه، كان لابد لقضية النفط ان تتخذ وضعا آخر فالذين كانوا – وما زالوا – يعتبرون النفط أغلى من دماء البشر التي كانت تنزف على قناة السويس وفي هضبة الجولان وجدوا أنفسهم في مأزق. واضطروا في المؤتمر الذي عقد في الكويت اثناء الحرب الى اتخاذ قرار ضعيف بتخفيض ضخ النفط في البداية 5 % على الاطلاق أي 5 % من مجمل الضخ النفطي. ثم تصاعدت النسبة مع استمرار الحرب معممة وقف ضخ النفط على الجميع الاعداء والأصدقاء والذين كانوا او كان يمكن ان يكونوا محايدين. يقول صدام حسين (كان كل العرب يستطيعون ان يقفوا موقفا اكثر صلابة من الموقف الذي وقفوه لو نسقت السياسات بعيدا عن الحسابات. كما ان بعض الدول العربية كانت قادرة بالحسابات المباشرة لو انها تمكنت من ان تتخلى او ان تقاوم السياسات الامبريالية على الوقوف مواقف افضل من المواقف التي نفذت...ولو استمرت الحرب شهرين لتغيرت مفاهيم وأمور كثيرة في الوطن العربي. ولم يكن العراق وقتها موافقا على تعميم وقف امدادات النفط عن كل دول العالم. ويومها تساءل صدام حسين قائلا : (لماذا نوقف الضخ عن دول اوروبا الغربية غير المعادية؟ هل نسعى الى كسب المزيد من الاعداء ام نريد تقليلهم ونكسب اصدقاء ونحيد البعض؟...ومع ذلك لم تتوقف تلك السياسة الخاطئة في حينها. وخسر العرب بالتأكيد رصيدا معنويا – وربما ماديا – كان يمكن ان يكون لهم في بعض بلدان اوروبا الغربية. ولقد كشفت دراسات كثيرة نشرت بعد الحرب عن ان امريكا هي التي كسبت من وراء تلك السياسة عن طريق رفع اسعار نفطها وتصدير كميات منه الى اوروبا الغربية مع شحنات مكثفة من الدعايات المضادة للعرب. وكان ذلك على اي حال موقف العراق ورؤيته السياسيه. وهو موقف متسق مع نفسه ومع مبادئه القومية. وهي رؤية فيها من الحسابات المتوازنة بقدر ما فيها من الأبعاد المتكاملة. وعندما وقع تأميم حصة امريكا في نفط البصرة ثم حصة هولندا بعدها وفي النهاية حصة (كولبنكيان) اصبحت سيطرة الشعب العراقي ممتدة على 85 % من انتاج النفط في بلاده. وهي التي كانت 65 % فقط غداة معركة التأميم الظافرة. اما النسبة القليلة الاخرى المتبقية فلقد تم تأميمها في عام 1975. وبعدها اصبحت كل الثروة النفطية ملكا خالصا لشعب العراق وحده او لنقل – ربما بتعبير اكثر دقة – ملكا للشعب العربي كله. ألم يقل صدام حسين نفسه أكثر من مرة وفي اكثر من مكان ان ثروة العراق النفطية هي ملك للعرب جميعا وأنها ستبقى دائما في خدمة قضاياهم المصيرية من اجل التحرر من هيمنة الامبريالية وقهر التخلف والاستغلال؟ (يتبع)