يوما 10 و11 جويلية، كانا محل استفهام في دائرة المحيطين بالرئيس احمد حسن البكر، قيل انه اعتزل الحكم ورافق ذلك شائعات في الشارع العراقي المولع بالسياسة. وقيل ان صدام حسين استدعى الأمين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي (منيف الرزاز) وابلغه ان الرئيس البكر (زعلان) وهو معتكف في بيته، ويبدو انه قرر الاستقالة، واختار يوم 14 جويلية، لكي يعلنها في ذكرى سقوط نظام الحكم الملكي البائد . وأضاف ان (صدام) قرر الاستقالة أيضا لأنه لا يستطيع ملء الفراغ في ظل غياب البكر، وهو يحتاج الى دعم الرئيس البكر ودعمه شخصيا، وبخلاف ذلك يترتب على قيادة الحزب ان تختار من ترى انه مناسب لقيادتها. وفي نفس الوقت دخلت الأجهزة الأمنية مرحلة الإنذار القصوى. وعقد الأمين العام المساعد (منيف الرزاز) اجتماعا في منزله حاول فيه تقريب وجهات النظر، غاب عنه الكثيرين. ثم عقد اجتماعا آخر في غياب البكر وصدام، وترأس الجلسة المرحوم منيف الرزاز الأمين العام المساعد. وأخذ ينظر إلى الرفاق وكعادته طيب القلب وكثير المجاملة. طرح على الحاضرين وجهة نظر السيد النائب وقال لهم :»عليكم إن تكونوا بمستوى المسؤولية ولابد من تدارك الأمر قبل إن يحدث شرخ عميق .. ابحثوا عن صيغة كفيلة بوحدة القيادة لان هذه المرحلة هي منعطف كبير وخطير .» وانقسم أعضاء القيادة إلى فريقين. الأول برز فيه محمد عايش، حيث طلب عقد اجتماع لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية للحزب يحضره الرئيس احمد حسن البكر ونائبه صدام حسين وجميع الأعضاء، انطلاقا من أنظمة الحزب، وتُناقش المشكلة فيه من جميع جوانبها بغية الوصول إلى حل لها . والفريق الثاني ، هو الأقل عددا ،كانت له وجهة نظر أخرى، والغريب أنهم كانوا من اشد المناصرين للرئيس البكر، وفي مقدمتهم طه ياسين رمضان الجزراوي وكان في الأساس ( نائب ضابط ) في الجيش العراقي. وعمل في دار الرئيس البكر، في زمن ما حيث تحمل مسؤولية البوابة الرئيسية. إضافة إلى عزت إبراهيم الدوري.. وكان رأيهم «إذا كان الرئيس مصرا على الاستقالة فيجب العمل على إقناع نائبه صدام حسين بتولي الرئاسة مؤقتا، لحين الانتهاء من الاحتفالات بذكرى الثورة المجيدة والدعوة إلى عقد مؤتمر قطري موسع باعتباره أعلى هيئة حزبية في العراق لحسم هذه المشكلة». كانت تفاصيل ما يجري في الاجتماع تصل إلى السيد النائب حرفيا، الذي أدرك خطورة أطروحات الفريق الأول واعتبرهم حجر عثرة في طريق طموحاته، في نفس الوقت أدرك أن الفريق الثاني سيحقق طموحه الشخصي، الأمر الذي دفعه إلى إصدار سلسلة من الأوامر السرية بتتبع كل مناصر للفريق الأول، بطريقة (سري وعلى الفور). وتحركت أجنحة المخابرات والأمن تجمع المعلومات التي كانت ناقصة في أضابيرها السرية. الجناح الأول هو جهاز المخابرات بقيادة برزان إبراهيم الحسن، الأخ غير الشقيق لصدام حسن، والثاني وزارة الداخلية بقيادة سعدون شاكر. ولم يجد منيف الرزاز غير طارق حنا عزيز وحسن علي العامري لتبني فكرة الحل الأخير أو الفرصة الأخيرة لإقناع الفريق الأول بتأييد الفريق الثاني. ولكن كان إصرار الفريق الأول لا يتزحزح وفشلت جهود الفرصة الأخيرة. كانت العمليات تسير بسرعة قصوى، لنقل السلطة إلى القائد الجديد. لقد شعر البكر بهزيمته وهو يرى القوات الخاصة تقتحم منزله. في عصر السادس عشر من جويلية. لقد اقتحمت منزله الواقع في منطقة (أُم العظام) المطلة على نهر دجلة بجانب الجسر المعلّق .. كرادة مريم، وحدات عسكرية من قوات المغاوير الخاصة يقودها برزان التكريتي، (الأخ غير الشقيق لصدام حسين) والعميد الركن طارق حمد العبد الله المرافق الأقدم للرئيس البكر. (يتبع)