بدأت الخلافات تظهر بين الرئيس أحمد حسن البكر وبين نائبه صدام حسين، في أحداث احتفالات الشيعة بأربعينية الإمام الحسين، في عام 1977، حيث جرى إطلاق الرصاص على المتظاهرين ومحاكمة آخرين ، حيث كان البكر يرفض التعامل القمعي مع المتظاهرين في حين كان صدام يؤيد الرد بقسوة على كل من يتجاوز القانونفي أحداث عرفت ب«خان النصّ». ولكن خلاف "احداث خان النص" تعمق أكثر بسبب وثيقة العمل القومي المشترك في نوفمبر 1978 م ، التي عقدت بين العراق وسوريا بعد سنوات طويلة من القطيعة. فالرئيس البكر كان متحمسا جدا لها، في حين كان نائبه صدام ينظر إلى الأمر بريبة وخشية لأنه رأى فيها سحب للبساط من تحت أقدامه بهدوء، حيث كانت طموحاته الوصول إلى السلطة والاستئثار بها. كان عليه أن يتحرك بسرعة …. وقبل فوات الأوان وفي نفس الوقت كان مترددا . هل كان ينتظر شيئا ما ؟ من خلال سير الأحداث، ومن خبرته مع الرفاق، كان صدام يعلم أن الرئيس البكر لن يغادر موقعه في قيادة الدولة والحزب الحاكم إلا بعد ولادة دولة الوحدة العربية المصغرة بين العراق وسورية التي يحكمها جناحان من حزب البعث العربي الاشتراكي ، تحت قيادة حافظ الأسد، خصوصا بعد أن بدأت الكثير من الخطوات باتجاه التوحيد، مثل فتح الحدود وحرية التنقل باستخدام الهوية الشخصية وحرية العمل ونقل رؤوس الأموال والاستثمار وغيرها . كان صدام يعتقد ان البكر يحاول استبعاده، بل ويسرّع العملية لتجاوزه، وقطع طريق ما خطط له وكرس له حياته لتولي رئاسة الحكم . الحلم ، أن يكون السيد الأول في العراق والأمل، أن يتنازل الرئيس البكر من منصبه عن رغبة شخصية لكي يحل مكانه بهدوء.و كانت القشة التي قصمت ظهر البعير في بداية شهر جوان 1979 م . في أعقاب تلويح الرئيس البكر بأنّ نظيره السوري حافظ الأسد الأكفأ لقيادة دولة الوحدة وتصريحه لتلفزيون بغداد قائلا:«إنني واثق من قدرات أخي الرئيس الأسد وما يتمتع به من حيوية وبُعد نظر في العمل على تدعيم وحدة القطرين العراق وسوريا بما يخدم الأمة العربية وحلمها المنشود في لمّ شملها ورص صفوفها.» فهم صدام الرسالة، وأدرك أن لابد له من حسم أمره إذ أن نوايا الرئيس البكر أصبحت واضحة، وأي تأخير لن يكون في صالحه. وكل الدلائل كانت تشير في ذلك الوقت على عمق الخلاف بين الرئيس البكر ونائبه. وعلى الفور بدأت سلسلة من الأحداث، منها مقتل نجل الرئيس البكر ( محمد ) في حادث سير غامض مع زوجته وشقيقات زوجته على طريق بغداد تكريت، حيث اصطدمت سيارته المسرعة بشاحنة تحمل الطابوق، مما أدى إلى موت الراكبين، وكان محمد من الأشخاص الذين يعادون صدام ويعلمون بتطلعاته . ثم جرى اغتيال المرافق الشخصي للرئيس احمد حسن البكر .. بعد ذلك جرى اغتيال المرافق الأقدم للرئيس احمد حسن البكر. الحوادث المأساوية المتلاحقة أفقدت البكر صلابته وجعلته في حزن دائم خصوصا بعد وفاة زوجته التي كان يحبها حبا، وقد ماتت بسبب قهرها على مقتل ابنها الذي كان مدير مكتب والده. محمد البكر كان يعرف صدام حسين جيدا وصدام حسين يعرف محمد جيدا يعتبر الآخر غريما لدودا. ثم أصبح طارق حمد العبد الله ( المحسوب على جناح صدام) المرافق الشخصي للرئيس. كان الرئيس لا يثق به. بل ويعتبره عين السيد النائب عليه . واغلب الظن انه خضع لمصيره في معمعة حزنه وكان يشعر في قرارة نفسه انه هو السبب فيما يحصل له. وعلى الأغلب كانت خطوته الأخيرة للوقوف ضد نائبه من خلال الورقة السورية، متأخرة للغاية، وأصبحت القشة التي قصمت ظهر البعير عوضا عن أن تخلصه من صدام. كان الرئيس البكر يتمتع بولاء الجيش له ، لأنه رجل خارج من رحم الجيش، في حين كان وجود نائب ثوري لا يرضى بأنصاف الحلول، يثير قلق ضباط الجيش. إضافة إلى أن النائب لم يكن له أي علاقة بالجيش. (يتبع)