تُثار هذه الأيّام مسألة على غاية من الخطورة مرتبطة بالسباق الانتخابي الرئاسي، مسألة تضع جزءا كبيرا من العملية الانتخابية محل تشكيك وريبة وتمس في عمق مصداقية مختلف أطرافها وخاصة منهم المترشّحين والهيئة العليا المستقلة للانتخابات. التزكيات الشعبيّة المطلوبة للتقدّم للانتخابات الرئاسيّة أحدثت ضجيجا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي بعد انكشاف عمليات تزوير في جمعها لبلوغ العدد المطلوب (10 آلاف تزكية) بالاعتماد على معطيات شخصيّة مسروقة من مصادر متعدّدة وتدليس إمضاءات أصحابها مثلما أكّد ذلك العديد من المواطنين. "التزكيات المضروبة" بالمنطق القانوني جريمة كاملة الأوصاف تستدعي تطبيق القانون ضد مرتكبيها وتسليط أشد العقوبات عليهم، وهي بالمنطق السياسي انتهاك للتنافس النزيه وأخلاقيات العمل السياسي والحزبي وضرب للتجربة الديمقراطية الناشئة في بلادنا. ومثلما على القضاء التحرّك العاجل والضرب بقوّة إنفاذاً للقانون ومثلما على هيئة الانتخابات الخروج عن صمتها وكشف المتلاعبين بالتزكيات وفضحهم أمام الرأي العام، فإنّ على الفاعلين السياسيّين والأحزاب والمنظمات الوطنية ومختلف فعاليات المجتمع المدني ادانة هذا السلوك الانتهازي وهذا الغش المفضوح في سباق انتخابي هو الأهم دون شك لأنّه يستهدفُ رئاسة الجمهوريّة الموقع الأهم في الدولة ونظامنا السياسي الوليد. اذا لم يقع تحرّك مدين لهذا التزييف وهذا التدليس وهذا التلاعب بمعطيات شخصية لمواطنين وناخبين ونحن لازلنا في المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسيّة السابقة لأوانها فإنّ بقية المراحل سيشوبها الكثير من الجدل وسيواصل المتلاعبون والسماسرة أعمالهم المنافية لكل الأعراف والأخلاق ولكل نواميس العمل السياسي الديمقراطي. فالأحرى سدّ أبواب الجدل والتشكيك من الآن بكل حزم وبالسرعة المطلوبة، وتفادي ما قد يلحق بقية المسار من ممارسات مماثلة.