يحتفظ التاريخ الفني في تونس للفنان الشعبي الهادي حبوبة الريادة في تقديم فن المزود وإرساء دعائمه في البلاد. بدأ الهادي حبوبة مسيرته الفنية «طبّالا» مع الثنائي زينة وعزيزة غير أن ما يتوفر عليه من طاقات إبداعية وقدرات صوتية لأداء الفن الشعبي مع إتقانه فن الرقص شجعه على إصدار أول شريط خاص به سنة 1967 بفرنسا ومثلت «بجاه اللّه يا حبّ اسمعني» أغنية الحظ والانطلاق نحو المجد الفني. لم يعد الهادي حبوبة بعد نجاح أولى أغانيه يقتصر على تقديم وأداء الموروث الفني التونسي، بل انطلق في تسجيل أغانيه الخاصة متعاملا في ذلك مع بعض الشعراء على غرار رضا الخويني وغيره من الشعراء، مساهما بذلك في تطوير الأغنية الشعبية، حيث اعتمد اللهجة المحلية والمضامين التي تمزج بين الألم والحسرة والشوق ك«يا لمّيمة» و«راني مضام» و«الحب والفرح» و«ليلى والمزود خدّام» و«عويشة» عاش الهادي حبوبة حياة فنية صعبة فيها من التهميش واللامبالاة بحجة أن فن المزود يعدّ فنّا مبتذلا رديئا فكان قرار منع ظهوره في الاذاعة والتلفزة مرارة في حلقه وألما مكبوتا داخله، ورغم ذلك كان إصرار الهادي حبوبة كبيرا لكسب الرهان. ناضل الهادي حبوبة بإصرار وإيمان بنبل رسالته الفنية، حتى كانت صائفة 1991 التي مثلت لحظة فارقة ومحطة استثنائية في مسيرة هذا الفنان الرائد في مجاله. سهرة صائفة 1991 جاءت ببادرة من الثنائي الفاضل الجزيري وسمير العقربي من خلال المغامرة بفتح نافذة على اللون الشعبي والبدوي في الأغنية التونسية من خلال الجمع بين الإيقاعات البدوية والجاز الغربي بقراءة فنية وظف فيها سمير العقربي كل ثقافته الموسيقية وسخر لها وأعطاها الفاضل الجزيري كل معارفه المسرحية، فكانت «النوبة» عبارة عن لوحة فنية متناسقة ومتكاملة ومترابطة بشكل فيه من الابداع والامتاع الشيء الكثير. جمع عرض النوبة أقطاب الفن الشعبي والبدوي: اسماعيل الحطاب وصالح الفرزيط والهادي حبوبة الى جانب ليليا الدهماني وصلاح مصباح ولطفي بوشناق وفاطمة بوساحة كانت سهرة استثنائية في مسيرة الهادي حبوبة الذي أحسّ بالحرية والانعتاق من كابوس المنع لأغانيه، فكان أن انطلق ليسيطر على الركح رقصا وغناء ولسان حاله يقول: «هذا هو فني الذي منعوني من تقديمه في التظاهرات الكبرى ومنعوا بثه في التلفزة والإذاعة». ألهب ليلتها الهادي حبوبة الجمهور الغفير الذي غطّى كامل أرجاء المسرح الأثري ب«طيح التالي» و«بابا عبد اللّه» وغيرها من الأغاني التي أكدت وأبرزت ريادة الهادي حبوبة في الفن الشعبي لقد أنصفت «النوبة» الهادي حبوبة ومنها انطلق أكثر حرية وإبداعا في الأفق الرّحب.