ما من شك في أن الفنان الشعبي الهادي حبوبة أو كما يلقب على الساحة الفنية "ملك" الفن الشعبي، من أهم صناع الفرجة في بلادنا..مشاهدته على الركح وهو يؤدي راقصاته تؤكد أن خبرة الأربعين سنة من الفن قد زادته توهجا وعطاء وحيوية.. رغم أن بعض الحاضرين لا يوافقوننا الرأي ويعتبرون تقدم سن هذا الفنان، قد كان وراء هنات في عرضه "مطارق" إلا أن المجهود الذي بذله حبوبة وهو في "شيخوخته " من غناء ورقص جاب خلاله المسرح في حركات رشيقة ومتواصلة استطاع أن يخطف أنفاس جمهوره فتراقصوا طيلة السهرة على إيقاعات أشهر أعماله: "يكد للي" و"بجاه الله" و"كي جيتك نجري" و"روح من السوق عمار"... في هذا العرض الذي حضره وزير الثقافة مهدي المبروك وعدد من أفراد الجاليات المغاربية في تونس قاد حبوبة فرقته الموسيقية بامتياز ..فأكثر من مائة عنصر من مختلف جهات البلاد والألوان الإيقاعية اجتمعوا ليلة 7 جويلية على الأركاح الثلاثة لمسرح قرطاج بعضهم يعزف على الآلات الوترية مثل الكمان والقيتار وآلة الباتري الإيقاعية، التي تعد نسخة حديثة من آلات أخرى انطلق بها حبوبة في مسيرته ومازال مواصلا في مزجها مع الوتريات على غرار "الدربوكة" و"الطبلة" والبعض الآخر اختار الرقص تعبيرا عن أنغام حبوبة وكان البالي المرافق وراقصو الفنون الشعبية متناسقين في حركاتهم في أغلب اللوحات فيما كانت لوحات أخرى خارج هذا النسق الفني وبرزت في الجانب الراقص لهذا العرض جميلة كمارا بلوحتها التي تؤكد حرفيتها وتميزها. الإضاءة والديكور والكوريغرافيا والملابس المستوحاة من عنصر الفرح في حياتنا زادت عرض "مطارق" بهجة وبرزت خلالها بصمة رجل المسرح سليم الصنهاجي وأمتعت الجمهور بمشاهد فنية راقية نادرا ما ترافق عروض فناني الأغنية الشعبية ولا يشاهده محبو هذا اللون الغنائي إلا في أعمال حبوبة، الذي سبق وأن قدم هذه العروض الضخمة مثل "الزمياطي " في 2005 على نفس الركح والتي تشابه في تصوراتها أعمال بارزة في فن الفرجة بتونس على غرار النوبة- التي كان أبرز نجومها- والحضرة للفاضل الجزيري. ما لفت انتباهنا في سهرة "مطارق" على ركح قرطاج ليلة السبت الماضي الحضور المتوسط للجماهير رغم الشعبية التي يتمتع بها الهادي حبوبة في هذا اللون الموسيقي ولعّل برمجة سهرته في اللحظات الأخيرة وغياب الترويج والإشهار اللازمين للحفل مع تخوف بعض التونسيين من مغادرة منازلهم لحضور سهرة للفن الشعبي في قرطاج قد تكون من عوامل الفراغ الذي لاحظناه في بعض المدارج والكراسي. من جهته وإثر انتهاء حفله الذي تواصل لساعتين أكد الهادي حبوبة ل "الصباح" عن رضائه على ما قدمه صحبة كامل الطاقم الفني الذي رافقه والمتكون من أفضل العازفين والراقصين في مجالهم كما اعتبر اعتلاءه ركح مهرجان قرطاج شرفا كبيرا ومن المواعيد المضيئة في مسيرته الفنية مشيرا إلى أنه أعد العرض في فترة قصيرة لا تتجاوز الأسبوعين مما سبب له بعض الإرهاق. أمّا الموسيقيين والفنانين الذين شاركوا حبوبة سهرته فبانت على محياهم رغم حبات العرق المتساقطة- علامات الفرح لصعودهم على ركح قرطاج فقد مكنهم "ملك" الأغنية الشعبية من اعتلاء أعرق المسارح في العالم وفي هذا السياق عبّرت المطربتان "ليندا" و"نور" عن فخرهما بهذا الفنان وامتنانهما لدعمه لهما في مسيرتهما حيث شاركتاه سهرته الخاصة في قرطاج. على صعيد آخر، نذكر أن الفنان حبوبة والمخرج سليم الصنهاجي كانا قد قدما في سنة 2010 ملفا لوزارة الثقافة يضم مشروعا مشابه لما قدمه على ركح قرطاج في الدورة 48 للمهرجان ولم تقع الموافقة عليه.