«النوبة»، «الحضرة»، «نجوم»، «زغندة وعزوز»... أعمال خلّفت عند خروجها جدلا كبيرا حول الاتجاه الفني الجديد للمسرحي فاضل الجزيري... ولقيت انتقادا من زملائه في المسرح الجديد. لكنها نجحت واشتهرت كثيرا ربما بسبب تقديمها بطريقة مختلفة عما قدمت به سابقا، نقصد التراث الصوفي متمثلا في الحضرة والتراث الشعبي متمثلا في النوبة... أو التراث العام بمعناه التاريخي متمثلا في «زغدة وعزوز» و»نجوم»... وهذه الأعمال نجحت بسبب آخر يعود الى ذكاء الفاضل الجزيري في تقديمه لنجوم في هذا العمل مثل لطفي بوشناق، صلاح مصباح، كريم شعيب ونورالدين الباجي وحبوبة وفاطمة بوساحة ونبيهة كراولي.. في وضعيات مختلفة عما عرفوا به. ولكن هؤلاء لم يواصلوا معه المشوار عندما حصل الخلاف بينه وبين سمير العقربي. وهذا الخلاف كان وراء أعمال أجلت أو أجهضت نهائيا سواء كانت خاصة بفاضل الجزيري وحده أو بالاشتراك مع سمير العقربي... وسنتوقف في ما يلي عندها. «منار» و»ملاسين» في هذا المشروع الذي تبخر أراد فاضل الجزيري وسمير العقربي التوليف بين متناقضات على مستوى الاهتمام والسلوك اليومي... في عرض فني حي تكون فيه الموسيقى جزءا رئيسيا... لتخلق من هذه التناقضات مودة خاصة للعرض... وكما هو واضح من عنوان العرض فإن هذا المشروع كان سيتعرض الى حياة حيين تونسيين أحدهما شعبي جدا والعلاقات فيه حميمة والآخر «راق» على مستوى المعمار لكن له حياته الخاصة وعلاقاته المختلفة... من هذه الجدلية المتفاعلة بين طبقتين اجتماعيتين وبين موسيقتين مختلفتين حاول ان يمسرح فكرة لعرض ركحي ترجمة ل»خرافة» أو سيناريو يعود فيه الجزيري في الاصل الى المجتمع التونسي القديم والحاضر. وهذا المشروع توقف بسبب الخلاف الذي حصل بين الفاضل الجزيري وسمير العقربي حول الحضرة التي أصبحت «حضرتين» الحضرة للفاضل الجزيري باعتبارها عرضا ركحيا و»رحلة الحضرة» لسمير العقربي باعتبارها فن الجد وليس «الهلس». «مزود» أما العرض الثاني الذي تحدثنا عنه كثيرا في الصحافة ولكنه لم يعرض الا مرتين في أطر ضيقة وخاصة جدا فهو عرض «مزود» وهو عمل جمع فيه الفاضل الجزيري بين آلات النفخ العربية والغربية نقصد آلات «المزود» و»الزكرة» و»الناي» و»الساكسو» و»الفلوت» و»الترومبات» وجميع الآلات النحاسية... وهي طريقة زاوج فيها الجزيري بين هذه الآلات المذكورة في اطار عرض ركحي مع اعتماد طرق عديدة للرقص (بدوي، عربي وشوارعي وعصري) أما في الجانب الموسيقي فقد اعتمد المنذر الديماسي وسمير الصايتي وخالد السنوسي... وهذا العرض قدم كما ذكرنا سلفا مرتين الأولى لفائدة الجمعية العالمية للأطباء البياطرة بميدان رياضة القولف بتونس العاصمة والعرض الثاني قدمه الجزيري بالعرض الاول للحضرة منذ سنوات. وتوقف تقديم هذا العمل الى الآن بعد ان رفض الفاضل الجزيري تقديمه في السنة القادمة بالمسرح البلدي ضمن البرنامج الذي اقترحته بلدية تونس لتنشيط العاصمة وسبب الرفض هو تكلفة العرض... علما وان هذا العمل لم يصوّر تلفزيا ولم يسجل اذاعيا.. وعدد قليل فقط من الجمهور تابعه. جماعة الكوميديا العمل الآخر الذي تبخر رغم ان الفاضل الجزيري قد شرع في اعداده هو الذي جمّع فيه نجوم الكوميديا في تونس مثل لمين النهدي، منجي العوني، نصرالدين بن مختار، أولاد بابالله، نورالدين العوني، لطفي بندقة، سنية البجاوي... وكان هدف الجزيري من تجميع هؤلاء هو العودة الى الحب الاول الى الركح أين أمضى الجزيري مع المسرح الجديد كممثل ومخرج وكاتب عدة أعمال ناجحة الى جانب الحبيب المسروقي صديق الفاضل الحميم وقد انسحب الفاضل الجزيري مباشرة اثر حادثة موت المسروقي. ومع جماعة الكوميديا أراد الجزيري ان يجرّب مسرح الكوميديا ويقدم رؤية جديدة لهذا النوع المسرحي... لكن يبدو ان مهمة التعامل مع هؤلاء كان صعبا... وهو ما جعل هذا العمل يبقى هو الآخر مجرد فكرة تنتظر الانجاز... لكن السؤال الذي يطرح في خاتمة الحديث عن مشاريع الجزيري... هو هل كانت ضريبة النجاح الكبير في النوبة أو الحضرة هي سبب الفشل في مواصلة الاعمال الضخمة باعتبارها أجهضت في بداية الطريق.