تمّ تصنيف عملية مطار بغداد كواحدة من أخطر محاولات اغتيال صدام حسين، لأنّ منفذيها كانوا يتقلدون مناصب عليا في الحزب وفي الدولة، بل إنهم كانوا يشرفون على مقاليد الأمن العام في البلاد، وتورط فيها كل من عبد الخالق السامرائي، وناظم كزار المدير العام للأمن، ومحمد فاضل. كان ناظم كزار يحقد حقدا دفينا على صدام حسين، وكان يشعر بأنه العقل المدبر في الحزب وفي الدولة، وكان ناظم يرى أنّه الأجدر بالقيادة، لذلك بدأ يخطط لتصفية العقل المدبّر، ليسهل عليه بعد ذلك تصفية بقية الرفاق ، وخطط لأن تنفذ عملية الاغتيال في مطار بغداد، وعند عودة الرئيس أحمد حسن البكر من زيارة إلى إحدى الدول الأوروبية. سعى ناظم إلى ضمّ رفاق من حزب البعث لمخططه، فكان عبد الخالق السامرائي ومحمد فاضل أوّل المجنّدين، وباتت اللقاءات بين الثلاثة تتمحور حول توسيع النشاط، وسرعة تنفيذ الخطة، قبل أن يفشى السرّ. فاستدعى ثلاثة ممن يثق فيهم، وهم النقيب حسن داود والنقيب لطيف رشيد والملازم حسن المطيري، وفاتحهم في موضوع الاستعداد لتصفية بعض أعضاء قيادة الثورة وأولهم صدام حسين. ولم يتردد الثلاثة في التعهد في تنفيذ المهمة. كانت الخطة تقوم على اعتقال كبار رموز الدولة وخاصة وزيري الدفاع والداخلية وآمر الحرس الجمهوري، وتسفيرهم إلى الخارج، ثم تنفيذ خطة الاغتيال لحظة نزول حسن البكر ومن الطائرة ومعانقته لصدام حسين. وتم تجهيز السلاح والعربات لتنفيذ الخطة عند الساعة الصفر. وفي صباح يوم الجمعة 29 جوان من سنة 1973، اتفق محمد فاضل وناظم كزار على أن يتولى الأول صحبة عبد الخالق السامرائي على تنفيذ الاغتيال في المطار، ويتولى ناظم اعتقال المسؤولين، الموضوعين على القائمة وهم وزير الدفاع حماد شهاب، والفريق سعدون غيدان وزير الداخلية، والرائد عدنان الشريف وكيل آمر الحرس الجمهوري ووضعهم في مبنى المعهد الفني التابع للأمن العام، الذي كان قيد الإنشاء، وهكذا يتمّ تنفيذ الانقلاب. في صبيحة الثلاثين من جوان نهض ناظم باكرا، ليبدأ في عملية الاحتجاز، وفعلا استدعى على التوالي ويزر الدفاع ثم ويزر الداخلية ثم الرائد عدنان ووضعهم قيد الاعتقال وفق الخطة المتفق عليها، ومع مرور ساعات ذلك اليوم العصيب، كان العراق على حافة تحول تاريخي، فأركان القيادة باتت محتجزة، والرئيس في الخارج، ولم يبق غير صدام وهو الرأس المطلوب قطعه في تلك العملية، والأخطر أن العملية كانت تتم في سرية تامة، لأن منفذيها هم قادة الأمن العام وقادة في الحزب والدولة. في مساء ذلك اليوم، انطلق محمد فاضل نحو المطار لتنفيذ الجزء الثاني من المهمة، وهو اغتيال صدام، واعتقال بقية القيادة بمن فيهم رئيس الجمهورية، ثم التوجه إلى القصر الجمهوري من أجل الاجتماع وإذاعة البيان التآمري الذي يلقي مسؤوولية الاغتيال على المعتقلين في المبنى. كان حسن المطيري هو المسؤول عن إطلاق الرصاص على صدام، وكان قد أصيب بفزع شديد، لتأخر وصول طائرة الرئيس ولوجود كثافة أمنية تمنعه من تنفيذ الاغتيال. كان الفشل قاب قوسين. وفعلا انسحب حسن المطيري وتوجه إلى المعهد الفني أين يقبع ناظم رفقة المعتقلين، لإخباره باستحالة تنفيذ العملية، وللتحرك هربا من الجحيم الذي ينتظرهم. قرر ناظم الهرب إلى الحدود الإيرانية بعد فشله في إيجاد مكان يأويه في بغداد وتحرك رتل يضم سيارات عدة وفيه وزيرا الدفاع والداخلية المعتقلان. ويف الطريق نحو الحدود الإيرانية، وجه ناظم رسالة عبر جهاز اللاسلكي يطالب فيها بشن حرب على الأكراد وتوجيه جيش إلى فلسطين، وعدم ملاحقته لأن حياة الرهائن بيديه. تحركت الأجهزة الأمنية بسرعة، وتم تطويق الرتل الفار في الصحراء، بطائرات هيليكوبتر وبعربات مصفحة، كانت ساعات الصباح مفصلية، فلقد بدأ فتح النار على المتآمرين، بعد محاصرتهم، واستسلم بعض المتآمرين إلاّ ناظم الذي أطلق النار على وزير الداخلية والدفاع، فاستشهد في الحال الفريق حماد شهاب وزير الدفاع، وأصيب سعدون غيدان بجروح، بعد مدة من إطلاق النار، استسلم ناظم كزار وانتهت عملية بغداد باعتقال كل الخونة ومحاسبتهم. (يتبع)