للأسبوع الثاني على التوالي يواصل اليوم أعوان البريد التونسي اعتصامهم المفتوح وإضرابهم عن العمل وسط تشكيات من المواطنين وصمت مريب من سلطة الإشراف والحكومة تجاه هذا الإشكال. تونس (الشروق) منذ الساعات الاولى لصبيحة امس، اصطف عشرات المواطنين أغلبهم من كبار السن امام المكاتب البريدية المجاورة لمقر سكناهم آملين في ان تفتح ابوابها لتسلم جراياتهم وقضاء شؤونهم ليتفاجؤوا مرة اخرى بمواصلة البريديين إضرابهم لليوم السادس على التوالي الامر الذي أثار في صفوفهم حالة من الاحتقان والغضب وصلت الى حد غلق الطريق ببعض الجهات احتجاجا منهم على تعطيل مصالحهم . وبالرغم من تأكدهم من تواصل هذا الاضراب إلى أجل غير مسمى، لم يبارح هؤلاء المواطنون أبواب المكاتب البريدية المغلقة وظلوا ساعات طويلة هناك مفترشين الارض خاصة بعد علمهم بفتح مكتبين بريديين بالعاصمة وإمكانية فتح المكاتب الاخرى الا أنهم -بعد طول انتظار- عادوا أدراجهم موجهين أسهم انتقاداتهم الى كل الاطراف المساهمة في هذا التعطيل سواء منها النقابية أو الحكومية. الحاج منور واحد من بين عشرات المتقاعدين والمعوزين الذين يترددون يوميا على المكاتب البريدية لعلهم يظفروا بجراياتهم، أكد لنا بنبرة غاضبة انه سئم هذا الوضع ومل تكرر الاضرابات التي لا تراعي مصلحة المواطن الذي «لا ذنب له سوى انه ابن هذا الوطن» موجها انتقاده الى الحكومة التي لم تسارع وفق تعبيره الى حل الازمة التي امتدت طيلة الأسبوع الفارط لتتواصل الى اجل غير معلوم . هناك على مقربة من الحاج منور، شيخ في السبعين من عمره جالسا القرفصاء، طيلة حديثنا الى المواطنين المتواجدين امام مكتب البريد كان «يتمتم «بكلمات لا نكاد نسمعها، فاقتربنا منه فبادرنا بالحديث عن وضعه الصحي الذي لا يسمح له بالمجيء يوميا مترجلا الى البريد لتسلم جرايته التي اعتاد سحبها يوم 17 من كل شهر . واضاف محدثنا الذي امتنع عن ذكر اسمه «لعدم أهمية ذلك» وفق تعبيره ان وضعه العائلي لا يسمح بمزيد تأخير جرايته لالتزامات عديدة مشيرا الى ان ال180 دينارا (الاجرة المخصصة للعائلات المعوزة) لها أهمية كبيرة في حياته رغم بساطة هذا المبلغ . ومن جهتها انتقدت السيدة فاطمة ( متقاعدة) ما عبرت عنه بسياسة لي الذراع المعتمدة من قبل طرفي النزاع و»حجز» الجرايات وتعطيل الخدمات البريدية أكثر من أسبوع محملة مسؤولية الأزمة الحاصلة للحكومة التي اعتادت «الانقلاب» على تعهداتها سواء تجاه النقابات او تجاه المواطن البسيط الذي أمطرته وعودا خلال حملاتها الانتخابية وفق تعبيرها . تدافع واكتظاظ توجهنا الى المركز البريدي بشارل ديغول بالعاصمة الذي فتح أبوابه على الساعة العاشرة صباحا، فوجدناه يعج بمئات المواطنين ممن قدموا من مختلف ولايات تونس الكبرى مما أثار حالة من الاكتظاظ والفوضى الناتجة عن التدافع بين المواطنين ممن يتقاضون جراياتهم عن طريق التحويل البريدي والحوّالات الالكترونيّة والمشهد ذاته بالنسبة للمركز البريدي بشارع محمد الخامس الذي شهد طوابير طويلة من المواطنين. وقد أجمع جل من تحاورنا معهم على ضرورة تحييد المواطن العادي عن مثل هذه الصراعات وهو الذي يجد نفسه يدفع الفاتورة باهظة بعد ان يقع الزج به داخلها واستعماله حطب وقود لتغذية الصراع بين طرفي النزاع النقابي والحكومي مؤكدين انه في كل مرة يقع ارتهان المواطن لكسب المعركة وهو امر بات غير مقبول وفق تعبيرهم . وأرجع هؤلاء المواطنون التعطيل الحاصل لمصالحهم سواء على مستوى الجرايات او ترسيم التلاميذ او غيرها من الخدمات البريدية الاخرى الى ما وصفوه ب»التهاون» الحكومي في معالجة القضايا الاجتماعية وتركيز الطبقة السياسية على حملاتها الانتخابية مقابل تهميش مصالح الشعب مطالبين بالتدخل العاجل «لرفع الحصار عن جراياتهم «. الوزارة متهمة من جهتهم حمل أعوان واطارات البريد التونسي الذين يواصلون اعتصامهم المفتوح امام مقر وزارة تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي للأسبوع الثاني على التوالي، مسؤولية الازمة الحاصلة والضرر الذي لحق بالحرفاء الى وزارة الاشراف التي تراجعت عن تعهداتها في مرحلة أولى لتواصل تعنتها وفق تعبيرهم وترفض الجلوس الى طاولة الحوار مع الجامعة العامة للبريد خلال الجلسة الأخيرة بتعلة « رفضها التفاوض تحت الضغط». واكد المعتصمون انه لا مجال لاستئناف نشاطهم والعودة الى مراكز البريد الا بالتوصل الى اتفاق جدي ومسؤول حول مختلف مطالبهم العالقة بداية بإصدار نتائج المناظرة الداخلية وتسوية كل الملفات المقدمة وفق اتفاق 23 ماي 2009 مرورا بسحب الترقية الاستثنائية وتسوية وضعية كل الذين حرموا من الترقية الآلية للمرة الثانية وصولا الى تطبيق اتفاق 16 فيفري 2018 والتسوية النهائية لوضعيات أعوان الحراسة والتنظيف . وفي تعليقهم على «الاضراب العشوائي « الذي لم يصدر عن الجامعة العامة للبريد ولم تدع اليه هيئتهم الادارية، أكد البريديون ان الممارسات التي انتهجتها سلطة الاشراف تجاه زملائهم من المعتصمين ومجابهتهم بالتدخل الأمني زيادة على رفضها التفاوض مع الهيكل النقابي اضطرهم الى تعليق النشاط محملين اياها كامل المسؤولية في ما آلت اليه الأوضاع من توتر . وجدد المحتجون تمسكهم بمواصلة الاضراب الى حين عدول الوزارة عن موقفها والاستجابة لمطالبهم المتفق في شأنها سابقا والالتزام بتعهداتها بعيدا عن كل ما من شأنه ان يزيد في تأزيم الوضع اكثر . وللتذكير فإن اعوان واطارات البريد التونسي قد دخلوا في اعتصام مفتوح منذ تاريخ 19 اوت الجاري قبل ان ينفذوا اضرابا جزئيا انطلق منذ الأربعاء الفارط ليتواصل الى اجل غير مسمى احتجاجا على تراجع سلطة الاشراف عن التزاماتها وعدم تفعيلها اتفاقيات سابقة .