باجماع كل المترشحين للانتخابات الرئاسية واغلب المختصين والمراقبين، اتضح أن افتقار رئيس الجمهورية لصلاحيات دستورية مغالطة كبرى عاشت على وقعها البلاد طيلة السنوات الماضية. اليوم وبعد 5 سنوات يقف الجميع على أهمية منصب رئيس الجمهورية وعلى قدرته على التدخل في مختلف شؤون تسيير الدولة استنادا الى الدستور والى الصفة الكبرى المسندة اليه وهي " الضامن لاحترام وتطبيق الدستور". طيلة السنوات الماضية لم يمارس الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي هذه الصلاحيات كاملة واكتفى بدور تعديلي وتحكيمي حتمته متطلبات المرحلة و رغبة منه في الحفاظ على التوافق وعلى « هدوء العلاقة» مع رئيس الحكومة ومع مختلف الاطراف الفاعلة. اليوم لم يعد التوافق الاولوية القصوى في البلاد، فالأولوية للنهوض الاقتصادي ولتحقيق الرقي الاجتماعي والتطور الرقمي ولمزيد الانفتاح الاقتصادي على الخارج ولتطوير الاستثمار والتشغيل وتنمية الجهات الاقل حظا خاصة بعد مرحلة الخطر التي بلغتها البلاد اقتصاديا وماليا. صحيح ان رئيس الجمهورية يفتقر الى الدور التنفيذي المباشر، فذلك موكول للحكومة، لكن الفصل 72 من الدستور، الذي يجعل منه ضامنا لتطبيق الدستور، يخول له التدخل لحث الحكومة ومختلف الأطراف ولم لا اجبارهم على تطبيق كل ما جاء في الدستور لا سيما الفصول المتعلقة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية ( الحق في الشغل والصحة والتعليم والماء والبيئة السليمة والغذاء .. ) والحريات الفردية واستكمال ارساء المؤسسات الدستورية. ولرئيس الجمهورية أيضا حق المبادرة التشريعية وصلاحية العرض على الاستفتاء وكلاهما لم يمارسهما الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بالشكل المطلوب خاصة في المجالين الاقتصادي والتنموي وايضا في المجال الاجتماعي. ومن واجب الرئيس القادم ان تكون له الجرأة والإرادة لممارسة هذه الصلاحيات . ولرئيس الجمهورية ايضا صلاحية السياسة الخارجية او ما يعرف بالديبلوماسية . غير انه لا يجب الاكتفاء بالديبلوماسية في معناها التقليدي ( الديبلوماسية السياسية) بل عليه المرور بسرعة قصوى الى الديبلوماسية الاقتصادية التي اصبحت في كل الدول مفتاحا أساسيا للنهضة الاقتصادية. ولرئيس الجمهورية كذلك صلاحية رئاسة مجلس الامن القومي وهو مفهوم شامل بامكانه ان يطال، الى جانب الامن بمعناه التقليدي، الامن الغذائي والزراعي والامن المائي والامن البيئي والامن الاقتصادي والفلاحي والامن الاجتماعي. اليوم لم يعد هناك أي مجال لأن يبقى رئيس الجمهورية مكتفيا فقط بدور التحكيم والتعديل والحفاظ على الهدوء السياسي والبحث عن التوافق وممارسة السلطة المعنوية فقط . فإلى جانب هذه الادوار - التي تطلبتها المرحلة السابقة وهي مطلوبة منه ايضا في المرحلة القادمة لكن بدرجة اهتمام أقل - على رئيس الجمهورية ان يتحلى بأكثر جرأة وشجاعة وإرادة ليتدخل بصورة حقيقية في تسيير شؤون الدولة استنادا الى الدستور. إن القول بأن «رئيس الجمهورية بلا صلاحيات حقيقية» مغالطة كبرى وجب وضع حد لها!