يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    تعاون مشترك مع بريطانيا    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    عاجل/ عالم الزلازل الهولندي يحذر من نشاط زلزالي خلال يومين القادمين..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جوهر بن مبارك في مؤسسة التميمي : هل نحن في حاجة إلى إعادة كتابة الدستور وتغيير النظام السياسي؟
نشر في الصريح يوم 07 - 05 - 2019

في محاولة لتنويع وجهات النظر بخصوص الموقف من الدعوات المتكررة التي تصدر من جهات مختلفة حول ضرورة تغيير دستور 26 جانفي 2014 الذي يوصف بالهجين وبغاية الاستماع إلى تحاليل متنوعة في موضوع تحميل النظام السياسي الذي تم اقراره بعد الثورة كامل المسؤولية فيما تعيشه البلاد من أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، استدعت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات جوهر بن مبارك استاذ القانون الدستوري والناشط السياسي لتقديم وجهة نظره من مختلف القضايا التي تثار اليوم في علاقة بفصول الدستور وطبيعة النظام السياسي و مسألة فرضيات تشكل المشهد السياسي القادم خاصة بعد صعود الحزب الدستوري الحر في نسب التصويت التي تجريها مؤسسات سبر الآراء والعملية الممنهجة التي تدعمها جهات خارجية لإعادة منظومة النظام القديم من خلال النفخ في صورة عبير موسي رئيسة الحزب.
فبعد الأستاذ أيمن محفوظ والأستاذ الصادق بلعيد والأستاذ حاتم الصرايري وغيرهم من الضيوف الذين حلوا محاضرين في مؤسسة التميمي والذين قدموا رؤية سلبية من دستور 2014 كان لزاما على المؤسسة أن تستضيف شخصية أخرى لها رأي مخالف حتى تكتمل الصورة وحتى نقدم للرأي العام كل المواقف من الانتقادات التي يتعرض لها دستور الجمهورية التونسية الثانية فكان اللقاء مع الأستاذ جوهر بن مبارك في ندوة يوم السبت 4 ماي الجاري.
يعتبر الاستاذ جوهر بن مبارك أنه لا يمكن اليوم أن نخفي أو ننكر أن الدعوات التي تطالب بإعادة كتابة الدستور أو تعديله وتغيير النظام السياسي الذي تم اقراه لم يعد اليوم صوتا نشازا بعد أن خرجت هذه الدعوات إلى الشارع وإلى الاعلام وأصبحت قضايا تتداول في مقرات الاحزاب السياسية ويتبناها بعض السياسيين ورموز الطبقة المثقفة ، فمطلب تنقيح الدستور وتغيير النظام السياسي الذي نسب في وقت ما إلى الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية قد اضحى اليوم قضية حارقة خرجت من قصر قرطاج لتتحول إلى قضية رأي عام تشغل الجميع شعبا ونخبا وإعلاما وسياسيين غير أن ما يلاحظ في هذا المطلب على ما يتوفر عليه من معقولية وواقعية في علاقة بالأزمة السياسية أن كثير من اللغط يشوبه و محكوم بالتوظف السياسي في إطار الصراع على الحكم وهذا ما يجعل الحديث في موضوع تغيير الدستور والنظام السياسي تتحكم فيه ثنائية المقبول وغير المقبول والمعقول واللامعقول .
لتوضح هذه المسألة يعود الأستاذ جوهر بن مبارك إلى الأيام الأولى للثورة ويقوم بعملية تنشيط الذاكرة واستحضار كل النقاش الذي دار سنة 2011 بين السياسيين والناشطين حول المرحلة الانتقالية والخيارات التي تم التوافق عليها للقطع مع منظومة الحكم القديمة وتأسيس الجمهورية الثانية بعد أن اتضح أن مطلب الأغلبية كان متجها نحو وضع منظومة دستورية جديدة تنسجم مع الجمهورية الثانية وهذا لا يكون إلا بدستور جديد ونظام سياسي جديد ولكن مع هذا الاجماع حول التخلي عن دستور 1959 كان هناك اختلاف حول المبدأ والمنهجية التي سوف يتم اعتمادها في هذه الولادة الجديدة.
الخلاف المنهجي انحصر في اختيار إحدى الطريقتين : إما أن نوكل إلى الأمر إلى هيئة من الخبراء تتولى وضع دستور جديد يتم عرضه على الاستفتاء الشعبي حتى يحظى بالقبول. وإما أن ننتخب مجلسا تأسيسا نوكل إليه كتابة دستور جديد بأسلوب اكثر ديمقراطية فكان الخيار أن نتجه نحو الحل الثاني وقد حسمت المسألة المنهجية بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي تأسيا بما فعله الآباء المؤسسين للدستور الأول.
أما الخلاف المبدئي فقد كان خلافا حول فكرتين الأولى ترى أن نكتب دستورا جديدا انطلاقا من ورقة بيضاء ومن دون العودة إلى الدستور القديم بناء على أن المرحلة التي تمر بها تونس تتطلب كتابة جديدة تستجيب للحظة التاريخية التي يعيشها الشعب التونسي وبين الفكرة الثانية التي كانت ترى أنه يكفي أن نقوم بتعديل في العمق لدستور 1959 ونزيل عنه الفصول التي انتجت الاستبداد والانفراد بالرأي والتخلي عن هناته والضعف الذي اعتراه بفعل التغييرات الكبيرة التي طرأت عليه فكان التوجه نحو القطع بالكلية مع الدستور القديم وإعادة الكتابة من جديد وخاصة أن عملية التعديل والتنقيح لفصوله سوف تنتهي بالضرورة إلى التخلي عنه بالكلية و أنا قد كنت شخصيا من أنصار الحل الأول وأميل إلى فكرة الكتابة من جديد رغم قناعتي بأن القيمة الحقيقية للدساتير ليست في فصولها وإنما قيمتها بما تحظى به في ضمير الشعوب من الاحترام والتقدير . لقد لزاما أن نذهب نحو كتابة دستور جديد بعد أن تحول هذا الأخير إلى حجة الحاكم على المحكومين بدل أن يكون حجة المحكومين على الحاكم ومن هنا فقد دستور 1959 مشروعيته وقيمته بعد أن أصبح عبئا ثقيلة على الجميع ولم يعد قادرا على ارساء علاقة طبيعية بين الحاكم والمحكوم في علاقة بالغاية الأصلية للدساتير وهي تنظيم العلاقة بين الشعب وحاكمه وتنظيم السلطة بعيدا عن كل استبداد أو تسلط وقمع للحريات والحقوق فكان لزاما أن نضع دستورا يعيد له الثقة في ضمير التونسيين ويؤسس للمرحلة الثورية ويعكس صورة تونس الديمقراطية.
ولكن المشكلة التي تعترضنا اليوم هي أن دستور 2014 رغم أنه لم تمض على كتابته أكثر من 5 سنوات فقد بدأ يعرف مصاعب كثيرة ويتعرض إلى انتقادات من شتى الجهات بالرغم من أنه على خلاف دستور 1959 الذي لم يعد يعرفه أحد قد تحول إلى موضوع نقاش وحوار في الجدل السياسي ودخل في الضمير والوعي الشعبي وصار المتحكم في اللعبة السياسية وقسم الشعب التونسي بنخبه وسياسييه بين متمسك به ومطالب بمنحه بعض الوقت حتى يطبق بعد استكمال الهيئات الدستورية حتى نحكم عليه سلبا أو ايجابا وبين مطالب بتعديله وإدخال اصلاحات على فصوله وتحميله مسؤولية عدم الاستقرار السياسي والحكومي والخطير في هذا الموقف أن هناك اليوم من يطالب علانية بالتخلي عنه بالكامل والعودة إلى دستور 1959 واستعادة نظام بن علي.
يعتبر جوهر بن مبارك أنه من الحيف والظلم أن نحكم على دستور 2014 من دون التعرض إلى الإضافات الجديدة التي جاء بها والتي لم تكن موجودة في دستور 1959 ومن غير الموضوعية أن نحكم عليه من دون استنطاق الفلسفة العامة التي قام عليها وهي فلسفة مختلفة تماما عن التصور الذي اقره الدستور القديم لذلك لا يمكن فهم الدستور الجديد من دون العودة إلى المنظومة الدستورية الحالية وإجمالا يمكن القول أن دستور 2014 قد جاء بمسائل جديدة لا نجدها في دستور 1959 وهي أساسا منظومة الحقوق و الحريات ومسألة هوية المجتمع والدولة ومسألة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأكاديمية وهي مسائل أفاض فيها الدستور الجديد القول ويكفي أن نذكر الفصل 49 من الدستور الجديد لنلاحظ الاضافة الكبيرة التي جاء بها والتي بفضلها تم التحديث في المنظومة الحقوقية بإدخاله مفاهيم جديدة في هذا الفصل الذي كان مطلب المعارضة منذ الاستقلال حيث حدد النطاق الذي يتدخل فيه القانون لضبط الحريات المضمونة بالدستور وتقييدها بهد أن أصبح تدخل القانون لتنظيم الحريات مشروطا بعدم المساس من جوهرها وأن لا يكون التدخل إلا للضرورة التي تقتضيها الدولة المدنية والدولة الديمقراطية وبغاية حماية حقوق الغير وما يقتضيه الحفاظ على الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العامة أو الآداب العامة مع ضرورة احترام مبدأ التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها وبهذا فقد أصبح اليوم من غير الممكن وضع قانون لتنظيم الحريات من دون مراعاة لهذه الشروط الخمس التي جاء بها الفصل 49 من الدستور وهذا في حد ذاته يعد ثورة في التشريع الدستوري لا نجد له مثيلا في الدساتير الغربية كالدستور الفرنسي الذي لا يتوفر على فصل دستوري يشبه هذا الفصل وإنما فقه القضاء الفرنسي هو الذي كرس مضمونه.
من الاضافات الأخرى التي جاء بها دستور 2014 تأكيده على الحريات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأكاديمية مثل الحق في الأجر العادل والحق في الماء و الحق في الثقافة و الحق في بيئة متوازنة و الحق في التناصف اثناء الانتخابات و الحق في التغطية الاجتماعية و الحق في جودة الخدمات وإلى غير ذلك من القائمة الطويلة التي تضمنها الباب الثاني المتعلق بالحقوق والحريات الذي كان ينقص الدستور القديم في علاقة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية وهنا لا بد أن نعرج على الفصل 12 من الدستور الذي جاء بمبدأ جديد وهو التمييز الايجابي المرتبط بثلاثة أهداف أساسية وهي تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة والتوازن بين الجهات والتوزيع العادل للثروات الطبيعية هذه القضية التي كانت غائبة في دستور 1959. لكن ما يمكن ملاحظته بخصوص هذا الفصل هو أنه رغم أهميته إلا أن مصطلح التمييز الايجابي يصبح لا قيمة له إذا لم يترجم إلى سياسات حقيقية ويتحول إلى خيارات تنموية واقعية.
أما بالنسبة لمسألة الهوية وقضية كيف عرف الدستور الدولة التونسية فإن جوهر بن مبارك يقدم موقفا يعتبر فيه أنه على خلاف ما يشاع من أن الدستور الجديد قد حسم في توطئته الخلاف حول المسألة الهووية وتوصل إلى حل توافقي من خلال الابقاء على الفصل الأول من دستور 1959 الذي يعرف تونس بأن دينها الاسلام أي أن دين الدولة التونسية هو الإسلام وزاد في الفصل الثاني بأن عرف الدولة التونسية بأنها دولة مدنية وقد كان من الأفضل لو تم جمع الفصلين في صياغة واحدة ذلك أن تعريف الدولة من خلال فصلين مختلفين يبقي على الخلاف الهووي ولا يحسمه ويفتح المجال إلى التأويل والانقسام بعد أن يجد كل واحد ضالته في أحد الفصلين وهذا يعني أننا وضعنا في نفس الدستور تعريفين مختلفين للدولة في عملية استرضاء للفرقاء وليس من أجل الوصول إلى حل توافقي جامع يرضى به الجميع .
ويزيد الخلاف حول الهوية حدة مع الفصل السادس الذي نص على أن الدولة راعية للدين وحامية للمقدسات وتمنع النيل منها وفي نفس الوقت هي كافلة لحرية المعتقد والضمير وهو فصل تمت صياغته هو الاخر بعقلية الاسترضاء وليس من التوافق التوافق والإشكال في هذا النوع من الفصول والصياغة في كونها لا تحسم الخلاف ولا تؤسس لفكرة جامعة موحدة وإنما تديم الخلاف ونبقي عليه.
في مسألة علاقة الدستور الجديد بالنظام السياسي وتحميله المسؤولية في الخلل الذي ظهر في الاستقرار الحكومي والسياسي وحتى التراجع الاقتصادي والاجتماعي يذهب الاستاذ جوهر بن مبارك في الرد على هذا التحليل إلى أنه على خلاف الدساتير التي هي بطبيعتها ميتة ولكن الممارسة والتطبيق والالتزام هو الذي يجعل منها حية ومتواصلة في الزمن فإن الأنظمة السياسية هي متحركة باستمرار وتتفاعل بشكل مباشر مع المعطيات الواقعية خارج النص فالممارسة السياسية هي التي تعطي للنصوص القانونية مفهوما ومدلولا.
فلو عدنا إلى دستور 1959 فإننا نجده قد أرسى نظاما رئاسيا حقيقيا على شاكلة النظام الأمريكي يتميز بسلطة واضحة للرئيس بورقيبة الذي كان المسؤول الأول والوحيد على الشأن العام يعاونه في ذلك كتاب دولة يشكلون الحكومة والسلطة التنفيذية التي كان رئيس الدولة هو المسؤول عنها لكن الممارسة السياسية هي التي جعلت بورقيبة يتراجع عن هذا الخيار بداية من سنة 1969 بسبب مرضه و تراجع صحته وإدراكه أنه لا يستطيع أن يواصل في الحكم بهذه الطريقة فكان أمر 7 نوفمبر 1969 الذي أحدث خطة منصب رئيس الحكومة . ومع تعديل الدستور في سنة 1976 الذي تم بموجبه إدخال الحكومة الى الدستور فقد تغير شكل النظام السياسي من رئاسي صرف الى رئاسي مشوه ومن هنا تم اضعاف موقع رئيس الدولة نسبيا في النظام السياسي لتصبح السلطة التنفيذية برأسين رئيس الدولة من جهة ورئيس الحكومة من جهة أخرى وهذا يعني أن النظام السياسي طبيعته أن يكون دوما متحركا ومحكوم بالممارسة السياسية وبمتغيرات الواقع وبهذه التعديلات حصل المنعرج للنظام السياسي التونسي الذي مال نحو النظام البرلماني من خلال التخفيف من تدخل رئيس الدولة في السلطة التنفيذية.
ولكن مع الانقلاب الذي قاده بن علي على الرئيس الحبيب بورقيبة في سنة 1987 وتسلمه السلطة عاد النظام السياسي من جديد إلى طبيعته الأولى نظاما رئاسيا صرفا من خلال تعديلين قام بهما الأول في سنة 1988 استعاد به ما أعطى في سنة 1976 من صلاحيات إلى رئيس الحكومة والثاني في سنة 1997 الذي استعاد به سلطته على البرلمان واسترجع هيمنته على السلطة التشريعية بعد أن اطمئن على السلطة التنفيذية وهذا يعني أن بن علي و في خلال 10 سنوات محا كل ما قام به بورقيبة من تخفيف من وطأة النظام الرئاسي الذي اتضح في التطبيق أنه ليس هو أفضل الأنظمة السياسية وأنه ممارسة لا يصلح لتسيير الحكم بطريقة أكثر ديمقراطية من دون أن ينتج الاستبداد والانفراد بالرأي.
واليوم هناك دعوات تطالب بتعديل دستور 2014 وتغيير النظام السياسي الذي يحمله البعض مسؤولية الأزمة الحكومية. لكن الأمر الذي ننساه أنه بنفس هذا الدستور فقد سمح رئيس الجمهورية الحالي لنفسه أن يعين حكومة الصيد وحكومة الشاهد وأن يقيل حكومة الشاهد ويتسبب في أزمة في حكومته وبهذا الدستور كان هو المحرك الأساسي في الحياة السياسية والدستورية ونتيجة هذه التدخلات لرئيس الدولة فقد أصبح النظام السياسي يقترب كثيرا من النظام الرئاسي في حين أن الدستور قد كرس النظام البرلماني ومرة أخرى يتحول النظام السياسي بعد رفض رئيس الحكومة يوسف الشاهد تدخلات رئيس الدولة وأصبح هو المحرك الأساسي بدل الرئيس إلى النظام البرلماني الصرف. وفي أربعة سنوات انتقلنا من نظام سياسي هجين إلى نظام رئاسي ثم إلى نظام برلماني وذلك تحت تأثير التوازنات السياسية واليوم إذا أردنا أن نغير النظام السياسي فأي نظام تختاره من كل هذه التجارب ؟
هناك من يقول بأن النظام السياسي الحالي يشتت السلطة ويضيع مركزها بين أشخاص متعددين مما يصعب معه المحاسبة وهناك مطلب من رئيس الجمهورية بتعديل وتوسيع صلاحياته ولكن السؤال اليوم هل نزيد من صلاحيات رئيس الجمهورية أم نطالبه بممارسة صلاحياته التي منحها له الدستور و تراخى في أدائها وهي مسألة تثير الاستغراب. ومن ناحية أخرى هناك من ينسب الأزمة التي تعرفها الحكومة إلى الدستور والنظام السياسي والنظام الانتخابي . قد نتفق مع من يقول بأنه ليس هناك استقرارا على مستوى الحكومة ولكن لا نوافق من يذهب إلى أن النظام السياسي غير مستقر ذلك أن الخيارات السياسية في المجال الاقتصادي والاجتماعي ضلت مستقرة رغم تعاقب الحكومات وتغيير الوزراء لقد مررت كل القوانين بكل سلاسة وتواصل تطبيق البرامج الاقتصادية والاجتماعية بكل هدوء ولم تلق اعتراضا يذكر من البرلمان .
وحتى الدستور والقانون الانتخابي لا يتحملان المسؤولية في عدم الاستقرار الحكومي وإنما السبب في ذلك يعود إلى المعادلة السياسية القائمة على منظومة حزبية غامضة فلو نظرنا إلى من حولنا في العالم لوجدنا المنظومة الحزبية تقوم على توجه ليبرالي وآخر اجتماعي وطبق هاذين التوجهين تتشكل الاحزاب السياسية ويتم التداول على السلطة بين الحزب الليبرالي والحزب الاجتماعي أما المشهد الحزبي عندنا فهو مختلف تماما لنجد أنفسنا امام احزاب ليبرالية واجتماعية مرتبطة بالنظام القديم وبالأحزاب الاسلامية ونجد أحزابا اجتماعية ديمقراطية تلتقي فيها التيارات اليسارية والإسلامية في مواجهة منظومة الحكم القديم بما يعني أن الخارطة الحزبية في حركة دائمة وهي غير ثابتة في اتجاه معين نتيجة هذا الاختلاف في وجهات النظر وهذا ما يجعل اليوم الناخب التونسي في حيرة من امره لاختيار أي الاحزاب تمثله فقد يتفق اليساري والاجتماعي والإسلامي على المسألة الديمقراطية والحريات وقد يلتقي الاسلامي مع منظومة النظام القديم في الخيارات الاقتصادية الليبرالية ونتيجة هذا المشهد السياسي غير الواضح حصل عدم الاستقرار الحكومي نتيجة تعدد الاستقطابات من استقطاب ايديولوجي هووي إلى استقطاب قائم على المسألة الديمقراطية ومواصلة الانتقال الديمقراطي ورفض عودة النظام القديم إلى استقطاب ثالث يقوم على الخيارات الاقتصادية والاجتماعية وهذا التعدد هو الذي يحدد الوعي الجمعي للشعب من بين كل هذه الخيارات المتداخلة فالوضوح الحزبي غائب والمسألة الحزبية لم تحسم بعد حتى يجد الناخب الحزب السياسي الذي يمثله ويطمئن إليه وفق رؤية واضحة خاصة وأن المنطق يقول إن الاستقطاب الوحيد وجب أن يكون على أساس الحسم في عدم العودة إلى الوراء وعدم انتخاب الاحزاب التي تعمل على استعادة النظام القديم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.