بعد غزو الكويت وما تلاها من حرب الخليج و فرض حظر اقتصادي على العراق، وتسليط عقوبات على النظام العراقي، لم تكتف الولاياتالمتحدة، بذلك الحصار الذي راح ضحيته نحو مليون ونصف المليون عراقي. بل عملت وكالة المخابرات المركزية على الإطاحة بالنظام مهما كان الثمن. ولذلك جندت أشخاصا مثل إياد علاوي وأحمد الجلبي وعناصر منشقة عن الجيش للقيام بعمليات تخريبية داخل العاصمة بغداد، لضرب الاستقرار و من ثمة الوصول إلى الإطاحة بالنظام. في العام 1995، دوت عدة انفجارات في العاصمة بغداد. و تبين بعد ذلك حسب شهادات منفذيها، أنها كانت بتخطيط من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. ونفذها عملاؤها في العراق. وبحسب اعترافات أبي آمنة وهو احد المجندين من حزب الوفاق المعارض في ذلك الوقت، فإن تلك التفجيرات، خطط لها اللواء السابق و المنشق عدنان نوري، و الذي جندته السي آي آي، للعمل معها. ومكنته من أن يصبح مدير العمليات في حزب الوفاق الذي يترأسه إياد علاوي. وكان ينشط في منطقة كردستان. وحددت له المخابرات الأمريكية مهمته بالعمل على التحضير للقيام بانقلاب عسكري ينبثق من داخل المؤسسة العسكرية العراقية و التي ستعمل على إزالة صدام آخر الأمر. استطاع عدنان تجنيد عدة أشخاص من حزب المؤتمر الذي يقوده أحمد الجلبي. وكان الجلبي وعلاوي يتلقيان الدعم المالي من المخابرات الأمريكية و البريطانية على حد السواء. وكان الإثنان يعملان على ابتزاز الدولتين اللتين قادتا الحرب على العراق في العام 1991. و يطلبانهما بدفع أموال طائلة، لتنفيذ مهمة الانقلاب. ولما كان المال هو الهدف الأول لأشخاص لا هم لهم سوى جمع المال و خيانة وطنهم، فإن المخابرات الأمريكية كانت تلعب على الحبلين، و تعزز الخلافات بين المتآمرين حتى أنها في إحدى المرات خططت لتفجير حزب المؤتمر الوطني و تحديدا في أكتوبر من العام 1995. وكانت تلك العملية هدفها إبعاد أحمد الجلبي من دائرة الشخصية التي تحظى بثقة الولاياتالمتحدة، بالرغم من أنه دخل بغداد في ما بعد على ظهر الدبابة الأمريكية. واتضحت الصورة في ما بعد للأمريكان، واقتنعوا بأن وكلاءهم في كردستان هم أكثر عجزا عن تنفيذ مهمة الانقلاب. ولذلك وقعت تغييرات كبرى على رأس السي آي آي. و أخرج ملف العراق من الطبق السابع، حيث مدير مكتب المخابرات، إلى منظار أوسع، حتى يتحقق هدف الإطاحة بصدام حسين. وقد عين بيل كلينتون في ذلك الوقت جون ديوتش، ليصبح مدير السي آي آي. ونشطت فكرة الانقلاب، خاصة بعد فرار صهر صدام حسين، حسين كامل إلى الأردن. وتغير موقف عمان نحو القبول بفكرة الإطاحة بصدام، و إعادة ترميم العلاقة بين عمان والرياض. وصارت عمان مسرحا للقاءات أجهزة المخابرات. وقد انضمت السعودية و الكويت إلى موقف دعم حزب الوفاق بقيادة علاوي، لقيادة عراق ما بعد صدام. و في العام 1996، كانت المخابرات الأمريكية قد وضعت الجميع أمام خيار وحيد، وهو المساهمة في القيام بانقلاب، في إطار زمني محدد، و قطع رأس صدام حسين. وكان علاوي قد اتفق مع المخابرات على تنفيذ الانقلاب في ربيع العام ذاته. وبدأت العاصمة عمان تغلي. و بدأت كل أجهزة المخابرات تصطاد الشخصيات العراقية المرموقة، لتصبح ضمن الفريق المؤيد للإطاحة بصدام حسين، ومن بين تلك الشخصيات، الفريق الركن نزار الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي السابق، الذي قبل العمل مع حزب الوفاق ومع من سماهم «الإخوان المخلصين في المؤسسة العسكرية العراقية». لكن الأمريكان سرعان ما تخلوا عن الخزرجي، وسعوا إلى الاعتماد على لواء يدى محمد عبدالله الشواني، الذي بدأ منذ العام 1994، الاتصال بإياد علاوي. واقترح عليه فكرة الانقلاب على صدام، معتمدا على أبنائه الثلاثة الذين كانوا يعملون في قوات الحرس الجمهوري. وسارع علاوي إلى نقل المعلومات إلى حلفائه البريطانيين والأمريكان. وبدأ العمل على تنفيذ الخطة و افتتاح مركز قيادة عمان لتنفيذ الانقلاب. وكانت المخابرات العراقية قد اخترقت الجميع. واستطاعت أن تصل إلى أولاد الشواني. وجعلتهم يسبحون في مخططهم إلى النهاية. وفي يوم افتتاح المركز وردت الأنباء غير السارة للعملاء. لقد كشفت الخطة و تم ضبط اسماء الضباط المتآمرين. وطار الجلبي فارا من عمان إلى واشنطن. لكن علاوي حدد الاسبوع الثالث من جوان 1996، للقيام بالانقلاب. وفي السادس والعشرين من جوان أنهى صدام لعبة القط و الفأر. إذ تم اعتقال كل من كان متورطا في الانقلاب. وكانت الحصيلة نحو 800 معتقل من بينهم طباخ الرئيس، الذي كان يستعد لوضع السم في طعام صدام. وتم ترحيل فريق عملية الانقلاب في عمان. وأصيب بيل كلينتون بخيبة كبرى. لقد انتصر صدام هذه المرة أيضا. (يتبع)