تنطلق اليوم الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية داخل الجمهورية بشكل رسمي آذنة بتوجه جميع المترشحين الى الناخبين قصد إقناعهم بما أعدوا من برامج وجدارتهم بتولي المنصب وسط مناخ سياسي يتسم بشحن عال. فكيف يمكن إنجاح هذه الفترة الانتخابية الحساسة من الاستحقاق الرئاسي؟ تونس الشروق: : وبعد ‹›البروفة›› الأولية لجل المترشحين للانتخابات الرئاسية من خلال ظهور بعضهم في وسائل الاعلام، وتوجه آخرين الى زيارات ميدانية جهوية ،وبعد حملات الدعاية المتباينة بينهم في مواقع التواصل الاجتماعي والتي سادتها حملات التشويه والتنافس الحاد، يخضع المتنافسون الى الاختبار الجدي الأخير قبل الحسم، والذي تنطلق اشارته اليوم عبر افتتاح الحملة الانتخابية الرئاسية وفق قواعد واجراءات مهيكلة تهدف الى ضمان مبدإ تكافؤ الفرص بينهم واتاحة الفرص لكل مترشح لإقناع الناخبين. وتتمثل المبادئ الاساسية للحملة الانتخابية في عدد من النقاط، اهمها حياد الادارة وأماكن العبادة وحياد وسائل الاعلام الوطنية وشفافية الحملة الانتخابية من حيث مصادر تمويلها وطرق صرف الاموال المرصودة لها وضمان مبدإ المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المترشحين واحترام الحرمة الجسدية للمترشحين والناخبين وأعراضهم وكرامتهم اضافة الى عدم الدعوة الى الكراهية والعنف والتعصب والتمييز. وكل هذه المبادئ تضاعف مسؤوليات الاطراف المتداخلة في العملية الانتخابية لضمان نجاحها. مسؤولية جسيمة لهيئة الانتخابات وتحتل هيئة الانتخابات صدارة سلم الترتيب في مسؤوليات انجاح الاستحقاق الانتخابي وذلك من خلال حسن ادارتها لهذا الموعد الهام ولاسيما انها تمتلك السلطة الترتيبية التي تخول لها اتخاذ القرارات المهمة في سياق ترشيد المنافسة والنأي بها عن دائرة الصراع. وفي هذا السياق أصدرت الهيئة مؤخرا دليلا يتعلق بتمويل الحملة الانتخابية وزعته على المترشحين. كما كان لها لقاء مساء السبت المنقضي مع ممثلي المترشحين ومكونات المجتمع المدني المهتم بالشأن الانتخابي لتبسيط قواعد الحملة واجراءاتها. وقال رئيس هيئة الانتخابات نبيل بفون في هذا السياق إن الهيئة لا تريد تعقيد الاجراءات المتعلقة بالحملة بقدر اهتمامها بضرورة انجاحها عبر الاستعداد الجيد لغمارها من قبل المتنافسين حتى تكون أكثر ديناميكية وأقل مخالفات انتخابية. وقياسا بالانتقادات التي طالت هيئة الانتخابات في الاستحقاق الانتخابي الماضي باتت الهيئة مدعوة الى تطبيق القانون بصرامة ضد المخالفين وهو ماتعهدت به الهيئة نفسها في تصريحات سابقة. ولا يتعلق الامر هنا بالتمويل الاجنبي فحسب. بل يمتد ايضا الى مراقبة الحملات الانتخابية التي تدار في صفحات التواصل الاجتماعي وما يمكن ان يشوبها من خطب تحريضية وحملات تشويه. «الهايكا» العين الثانية وبدورها تتحمل الهيئة العليا المستقلة للاعلام السمعي البصري المسؤولية الكبرى في ضمان مبدإ تكافؤالفرص بين المترشحين وذلك من خلال إحكام رقابتها على المؤسسات الاعلامية مرجع نظرها بخصوص تغطية مجموع الانشطة التي يقوم بها المترشحون للتعريف ببرامجهم الانتخابية. وفي هذا السياق تواجه ‹›الهايكا›› جملة من التحديات اهمها تطبيق الفصل الخامس من القرار المشترك مع هيئة الانتخابات والمتعلق بعدم جواز القيام بالحملة الانتخابية في وسائل الاعلام السمعية البصرية التي تمارس نشاط البث خارج اطار المرسوم عدد 116 لسنة 2011، وكذلك مختلف الانتاجات الاعلامية التي يمكن أن تتضمن نشرا لنوايا التصويت أو من شأنها التأثير في الناخبين. مسؤولية المترشحين علاوة على المؤسستين المشرفتين على سلامة العملية الانتخابية تتجلى مسؤولية المترشحين أنفسهم في قدرتهم على الاقناع ببرامجهم الانتخابية دون اللجوء الى وسائل تحقير المنافسين وتشويههم بطريقة أو اخرى. وفي هذا السياق ستكون الاحزاب المشاركة في الحكم والتي قدمت مرشحين للانتخابات الرئاسية محل متابعة فائقة في عدم توظيف اجهزة الدولة في حملاتهم الانتخابية. كما تدعو قواعد الحملة الانتخابية عموم المترشحين الى ضرورة الاعلام بأنشطتها التي تريد من خلالها الترويج لبرامجها. وستوفر المناظرات التلفزية التي ستمتد على 3 ايام بداية من السبت القادم فرصة جيدة لترشيد المنافسة على البرامج وإبراز قدرات كل مترشح على الاقناع وذلك اذا ما التزم بها المترشحون أنفسهم واذا ماتمت ادارتها بشكل احترافي محكم ينأى بها عن دائرة الصراعات المحمومة التي عاش على وقعها التونسيون مدة غير قصيرة. فرز الناخب وضمن حلقة المسؤولين عن نجاعة الحملات الانتخابية في الوصول الى هدف تحصيل الناخبين لفائدة الاطلاع على البرامج الانتخابية والمفاضلة بينها يتجلى دور مكونات المجتمع و وسائل الاعلام والناخبين انفسهم. اذ يلعب المجتمع المدني دور الرقيب في سلامة الحملة من التجاوزات الممكنة ويتيح الفرصة بما توفرت لديه من امكانيات في تقريب المترشحين بشكل متساو من الناخبين فإن وسائل الاعلام تقاسمه هذه المهمة، وليس الناخب في حل من اي مسؤولية لاسيما أن الاختيار يعود اليها في النهاية. وفي هذا السياق يتضح ان الفرز الجدي للناخب مشترط بدرجة وعيه واعراضه عن كل الهدايا و المال السياسي الفاسد وجميع الوسائل التي من شأنها أن توظف لشراء الاصوات، فكلما زادت درجة وعي الناخبين بأن هذه السلوكات من صميم عمليات التحيل عليهم لشراء اصواتهم كلما كان الفرز أكثر نجاعة في سياق تمكين الاجدر على الفوز . وفي المحصلة يتطلب انجاح الحملة الانتخابية تظافر جهود العديد من المؤسسات والهيئات والافراد، وعلى الرغم من المناخ السياسي المشحون الذي يمكن ان يفسر بضبابية التوازنات السياسية وصعوبة الانتقال الديمقراطي فإن الجميع مدعو الى الاسهام في هذه المحطة الفارقة من تاريخ البلاد والتي سيتم المضي من خلالها الى استكمال التجربة الانتقالية نحو مرحلة مستقرة. عقوبات صارمة صدر بالرائد الرسمي عدد 22 لسنة 2019 قرار للهيئة العليا المستقلة للانتخابات يتعلق بضبط قواعد تنظيم الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء واجراءاتها تضمن جملة من العقوبات في صورة مخالفة القواعد الاساسية ، من بينها الغاء نتائج الفائزين اذا تبين مخالفتهم لقواعد الفترة الانتخابية وتمويلها بشكل أثر على النتائج بصفة جوهرية وحاسمة.