منذ يومين تساءل عضو الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري «هل يحق لصاحب مؤسسة إعلامية منع الصحفيين من تغطية الانتخابات البلدية»، سؤال يبدو للوهلة الأولى غريبا لأن جلّ الحملات الانتخابية في مختلف دول العالم تحظى بأسبقية المتابعة من مختلف وسائل الإعلام التي تجنّد لها صحفيين وطواقم إعلامية وتوفّر لتغطيتها كل الامكانيات المادية واللوجستية الممكنة، بل أحيانا تلعب وسائل الإعلام الخاصّة منها على وجه التحديد، دورا محوريا في رسم ملامح الطبقة السياسية الحاكمة وتفوز أحزابا بفضل نفوذها أو حضورها القوّي اعلاميا بما يؤثّر على الرأي العام ويحدّد اختياراته وتوجهاته.. لكن هذا السؤال يصبح منطقيا في ظلّ حالة التوتّر الشديد التي تشهدها علاقة «الهايكا» ببعض وسائل الاعلام الخاصّة والتي قرّر بعضها مقاطعة تغطية الحملة الانتخابية للانتخابات البلدية. ورغم أن هذا الدور يثير الجدل ويحرم المتنافسين سياسيا من تكريس مبدأ الإنصاف والتكافؤ في الفرص الانتخابية الاّ أنه لا يمكن نفي أن بعض وسائل الاعلام لعبت وعلنا هذا الدور في الانتخابات التشريعية والرئاسية الماضية وكان لها دور فعّال في ترجيح كفة حزب سياسي عن آخر وفي ترجيح حظوظ شخصيات سياسية دون أخرى، استطاعت وسائل الاعلام هذه أن تصوغ مشهد سياسي وفق توجهات مراكز النفوذ الحزبي والسياسي.. لكن اليوم وبعد اسبوع عن انطلاق الحملة الانتخابية للانتخابات البلدية بدا الأمر مختلفا بشكل جذري، حيث تمضي أيام الحملة الانتخابية لأكثر من ألفي قائمة انتخابية دون»ضجيج» اعلامي كبير خاصّة بعد اعلان عدد من القنوات التلفزية مقاطعتها لتغطية الحملة الانتخابية ردّا على ما اعتبرته بعض هذه القنوات التلفزية»شروطا تعجيزية» وضعتها الهايكا والهيئة العليا للانتخابات وتتعلّق بشروط التغطية الاعلامية. نقابة المؤسسات الاعلامية تنتفض ضدّ الهايكا لم يكد يمضي يومان عن انطلاق الحملة الانتخابية للانتخابات البلدية حتى أعلنت النقابة التونسية للمؤسسات الإعلامية التي تضمّ عددا من وسائل الاعلام الهامّة والمؤثّرة في الرأي العام في بيان أصدرته الاثنين الماضي أنها ترفض تطبيق القرار المشترك بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري المتعلق بضبط القواعد الخاصة بتغطية الانتخابات البلدية. قرار علّلته نقابة المؤسسات الاعلامية «أن القرار مسقط وفوقي وينم عن استهداف صريح ومباشر للمؤسسات الإعلامية الخاصة» مضيفة أن قرار الهايكا وهيئة الانتخابات لا يُراعي خصوصية وسائل الاعلام الخاصة ومحاولة دمجها في خانة القوانين والقرارات الخاصة بالإعلام العمومي. وكانت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) والهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد أصدرتا قرارا مشتركا ينظّم عملية التغطية بالنسبة لوسائل الإعلام السمعي البصري من خلال ضبط توقيت لبث البرامج الانتخابية للقائمات المرشحة وعددها 2074 قائمة، وحدّد القرار العقوبات التي تطبّق على كل مخالف لقرارهما المشترك. لكن نقابة المؤسسات الاعلامية الخاصّة أكّدت صعوبة تطبيق هذا القرار من النواحي التقنية والعملية لتعقيده وكثرة تفاصيله وجزئياته وخاصة من حيث تحديد نسب التوقيت المخصصة لتمثيل القائمات والأحزاب في البرامج الاذاعية والتلفزية المخصصة للانتخابات. كما انتقدت النقابة سن جملة من العقوبات المادية الترهيبية التي لا تحتوي سلّما واضحا ولا معايير مضبوطة بما يحرم المؤسسات الاعلامية من أبسط حقوق التقاضي في حالة الوقوع في اخطاء تستوجب العقوبة، متهمة في الآن ذاته «الهايكا» باستعمال الخطايا المالية ضدّ الاعلام الخاصّ بهدف»تطويعه وكوسيلة للتشفي من بعض المؤسسات التي أصبحت تستهدفها الهايكا علنا ودون واجب حق» وفق نصّ البيان، كما دعت النقابة هيئة الانتخابات والأحزاب السياسية والمجتمع المدني لإعادة النظر في محتوى القرار بصفة تشاركية حتى تتمكن وسائل الإعلام الخاصّة من إنجاح هذا الاستحقاق الانتخابي الوطني. رئيس نقابة المؤسسات الإعلامية الخاصّة وأحد مالكي قناة «نسمة» الخاصّة، اتهم بدوره «الهايكا» بكونها «هيئة سياسية تهدف إلى إفشال الاستحقاق الانتخابي من خلال عدم تشجيع الناخب عن أداء واجبه الانتخابي وان قرارها ضربا لمرحلة الانتقال الديمقراطي»وفق تصريح تلفزي أدلى به مؤخّرا. موقف نقابة المؤسسات الاعلامية لم يمرّ دون ردّ من»الهايكا «حيث أكّد رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، النوري اللجمي، إن الإعلام الخاص غير مجبر على تغطية كافة الدوائر البلدية وأنه بإمكان وسائل الإعلام الخاصة التي يصعب عليها تغطية كافة الدوائر الانتخابية بكامل تراب الجمهورية، اختيار عدد من الدوائر، شريطة تطبيق مبدأ الإنصاف والابتعاد عن الانتقائية. ورغم ذلك تمسّك عدد هام من وسائل الاعلام التلفزية بمقاطعة الحملات الانتخابية احتجاجا على قرار الهايكا التي أكّدت انها لن تتراجع على قرارها، الذي خلّف بدوره استياء لدى الأحزاب المترشّحة للانتخابات البلدية وكذلك لدى القائمات المستقلة حيث أن حضورها التلفزي يكاد يقتصر على الاعلام العمومي والذي لا يمكنه تغطية أنشطة أكثر من ألفي قائمة انتخابية وهو ما جعل القناة الوطنية تلجأ لعملية القرعة لتحديد القائمات التي مكّنتها من الحديث عن برنامجها الانتخابي. استياء حزبي من بين الأحزاب التي عبّرت عن استيائها من قرار الهايكا بالتشاور مع هيئة الانتخابات، نجد حزب نداء تونس الذي دعا في بين له منذ أيام قليلة الهيئة العليا للانتخابات للتدخل «لوضع حد للتضييقات غير المقبولة التي تفرضها الهايكا على تغطية وسائل الإعلام للحملة الانتخابية» وفق نصّ البيان الذي أشار أن ذلك سيسمح» بتوفير الظروف الطبيعية والعادية لإنجاح الانتخابات البلدية في تونس وتحفيز المواطن على الاختيار بين مختلف البرامج المتنافسة.. وأكّد البيان أن هذا القرار الذي اتخذته الهياكا كان خيارا منفردا لم يقع التشاور فيه مع وسائل الاعلام أو الاستئناس برأي الحزب. كما لاحظ حزب نداء تونس وفق نصّ بيانه أن هذا القرار صنع ما وصفه ب»حالة غياب الإعلام عن المواكبة الجدية للحملة الانتخابية خوفا من تسليط العقوبات العشوائية من قبل الهايكا»، مفيدا بأن ذلك قد يدعم العزوف المنتظر عن الإقبال على التصويت في الانتخابات البلدية القادمة. ويذكر أن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري قرّرت منذ أيام تسليط عقوبة ماليها قدرها عشرة آلاف دينار من أجل نشر ومضة اشهارية على الموقع الالكتروني الرسمي للقناة كان أطلقها حزب حركة نداء تونس في اطار حملة اعلانية بمناسبة الانتخابات البلدية. وعبّر عدد هام من القائمات المستقلّة عن استيائه من تغييبها اعلاميا خاصّة في وسائل الاعلام المرئية التي تعتبرها الأكثر تأثيرا في الرأي العام.