الشروق تونس: فيما يتسارع العدّ التنازلي باتجاه يوم الاقتراع يندفع السؤال بشأن مدى قدرة هذا السباق الرئاسي على إحداث «التغيير». بمعنى أدق في أي اتجاه ينبغي أن يسير هذا الاستحقاق الانتخابي بالذات حتى يفرز معادلة حكم تكرس بالفعل الإرادة الوطنية وتغلق الثغرة التي تسلل منها مسار الارتداد إلى التخلف المتوارث عن حقبة الترويكا. وهي تراجع جذوة منطق الدولة في إدارة شؤون البلاد. امتحان تاريخي وبالنتيجة يلوح الشعب التونسي أمام امتحان تاريخي يثبت من خلاله أنه ليس أقل وطنية من غيره أو يستسلم بمقتضاه لاستعمار جديد سيحوّل التونسيين إلى مجرّد «خماسة» على أرضهم. وراهن طيلة تسع سنوات على ما يعرف ب«دمّر نفسك بنفسك» التي أعادت تونس عقودا إلى الوراء. والواضح أن هذه الأجندا الاستعمارية التي تجد في تونس ملاذها الأخير بعد تكسر أقنعة «الربيع العبري» في القاهرة ودمشق وطرابلس . تغير المعادلة الدولية وفي المقابل يستفيد الخيار الوطني من ورقات كثيرة في الداخل والخارج لعلّ أهمها عودة النظام العالمي متعدد الأقطاب الذي يلتقي مع تحول ثنائية «الربيع والخراب» من خطر يقلق الأنظمة الرسمية العربية إلى قناعة شعبية في سائر دول المنطقة بما في ذلك تونس حيث لم يعد الخوف من فقدان المكاسب حكرا على الطبقات الضعيفة المتوسطة بل طال نخبة المجتمع وفي مقدمتهم رجال الأعمال وكوادر الدولة وكل هذه المعطيات تنتج بالضرورة اتساع المساحات أمام الإرادة الوطنية التي ستندفع بكل ثقلها إذا راهنت القوى الصادقة على تعميق وعي الناس بأن «العجز» يساوي فقدان الكرامة الذي تراكمت ملامحه إلى أبعد حد وقد يختزله احتراف تونس للتسول على عتبات البلدان والصناديق المانحة بعمل ما يعنيه ذلك من تنازل عن اسم مكونات السيادة الوطنية ودون أن يكون لتلك القروض الخارجية الضخمة التي عبأتها تونس منذ 2011 (قرابة 70 ألف مليار من المليمات) أي أثر عل حياة الناس في خضم عودة أمراض التخلف وانفجار البطالة والانقطاع المبكر عن التعليم وعودة أساطيل النقل بسائر أصنافها عقودا إلى الوراء وغزو الكلاب السائبة للساحات والشوارع حتى في قلب العاصمة. الكرامة والواضح أن عجز منظومة الحكم الذي أفرزه بالأساس تراجع جذوه الكفاءة والواعز الوطني والأخلاق تحول بالتراكم إلى عجز عام يكاد يخرج تونس من سياق التاريخ حتى في محيطها الافريقي حيث تراكم عديد الدول نسب نمو برقمين وأصبح القطار السريع مشهدا مألوفا. وبالمحصلة يلوح هذا الاستحقاق الانتخابي بالذات آخر طوق للنجاة من الطوفان وهو ما يقتضي استفاقة «ضمير الأمّة» من خلال إعادة منطق الدولة إلى إدارة شؤون البلاد والانتباه إلى محاولات تأبيد الوضع الراهن وأساسا تراهن على تثبيت الإحباط في الشارع وتقزيم منصب رئيس الجمهورية فيما هذا المنصب بالذات هو «المفتاح» في بلد ارتبطت فيه كل المكاسب بمدى نجاعة هذه المؤسسة واهتمامها بكل صغيرة وكبيرة وتشبعها بالواعز الوطني وهي معايير لن يمتلكها إلا من اشتغل طويلا في دواليب الدولة.