تعيش تونس هذه الأيام فترة حاسمة في مسيرتها عبر التاريخ من خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية .... انتخابات ستحدد وجهة تونس طيلة السنوات الخمس القادمة على أكثر من صعيد. من ذلك الثقافة بمختلف تفرعاتها.. سعت « الشروق « من خلال هذا –التحقيق-الى استشراف مستقبل هذا القطاع الحيوي على امتداد السنوات القادمة التي ستكون حافلة حتما بأكثر من رهان من خلال سؤال طرحته على عدد من أهل الشعر والرواية والنقد والمسرح.... كيف ترى الثقافة في السنوات الخمس القادمة؟ محمد عمار شعابنية (شاعر) ضمان انتشار الإبداع خارج الحدود لا أعتقد في أن الثقافة ستحقق انتشارها الباهر في تونس خلال الخمس سنوات المقبلة لعدة أسباب من بينها 1) سوف لن تقدر الدولة على رصد اعتمادات سنوية تفوق الواحد في المائة من ميزانية الدولة ( وليقل البعض 5،1 في المائة) لضروب الفن والفكر . وهذا عائق كبير لا يفي باحتياجات البرامج ومنجزاتها في وقت لا ندري إن كان الدينار فيه سيواصل انحداره أم سيعود إلى مستواه الأول وهو متدنٍ في حدّ ذاته . 2) ستفصح الفترات القادمة عن اسم الوزير الذي سيسير دواليب وزارة الثقافة. إذ من الممكن أن يكون هذا المسؤول غير مؤهل للتصور الإيجابي وللتحريض على الإنتاج والإنجاز فيتسبب في هدم الجدار الذي شرعنا في بنائه. 3) لن تنتعش الثقافة بمركزية العمل وببنايات دور ثقافة غير قادرة على استيعاب أصحاب المبادرات الفنية والفكرية أو توفير التجهيزات والدعم المالي لأنشطتهم . 4) لا يمكن لثقافة أن تزدهر ما لم تتوفّر لها ظروف الانتشار خارج البلاد من خلال تكثيف أنشطة التبادل الثقافي وترويج إبداعات المسرح والموسيقى والأدب والفن التشكيلي وغيرها في الدول الشقيقة والصديقة وفق مخططات واتفاقيات مضبوطة. 5) الحاجة الماسة إلى تعزيز جميع السفارات بمستشارين ثقافيين من ذوي الإشعاع والإبداع في المجال ليعرفوا بأعمالنا، إلى جانب تعيين مستشارين ثقافيين بالمندوبيات الجهوية للثقافة من بين مبدعي الجهات البارزين ليستنبطوا لها المنتظر. عبد القادر بن الحاج نصر (روائي) الترفع عن التعامل مع المجموعات التي ترى في الثقافة مصدرا للربح لا أرى أن الثقافة مرتبطة بالرئيس القادم . اذ لا اظن انها من بعض اهتماماته . فالثقافة مرت في جدول اعمال الرئيس السابق مرور الكرام. اذ لم ير نفسه ملزما بالنظر فيها واعطائها نصيبا من فكره وجهده...وكانت الثقافة على ما اعلم خارج حدود القصر الرئاسي ... الثقافة في زمن ما بعد الثورة شأن من شؤون الحكومة. ولعلي –مع الأسف-تابعت الحركة الثقافية بشيء من الإحباط ... فالميزانية التي ضربت بعد الثورة نزلت الى النصف مما جعل مبادرات الوزير-أي وزير-يتصرف في ما يشبه الدائرة المفرغة. لذا لا يستوجب توجيه لوم الى الوزير المشرف عليها. اضف الى ذلك نفوذ اللّوبيات التي تتصرف في المؤسسات الثقافية وخاصة في خزائنها ...ليست الثقافة ثقافة إن لم تعتن بمنزلة الكاتب والكتاب وتترفع عن التعامل مع المجموعات المشبوهة التي ترى في المؤسسات مصدرا للارتزاق والاسفار . راضية بصيلة (شاعرة) اعتماد اللامركزية لمقاومة الإهمال والتهميش يجب بلورة مفهوم جديد للثقافة الوطنية يتلاءم مع التكنولوجيا الرقمية من اجل صياغة سياسات تحقق للثقافة النجاعة والتمثيلية الواسعة مع حفظ اتصالية تضمن لها وضوح المعالم في الداخل والخارج و تجديد مضامين القطاعات الثقافية التقليدية وتنويع اشكالها واستحداث مجالات تنشيطية داخل المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية واعتماد اللامركزية كوسيلة حقيقية تقاوم مظاهر الإهمال والتهميش وان لا ينحصر العمل الثقافي عمليا في الفنون والآداب والمأثورات الشعبية. وعلى العمل الثقافي تشكيل هوية وطنية نلمس لها اثرا نوعيا في سلوكنا تطلع الزائر الاجنبي على ثراء ارثنا الحضاري وتطلعاتنا للمستقبل. وان تكون هناك صلات تعاون وتفاعل حقيقية ومستمرة بالقطاعات الأخرى في الداخل وبما يجد من تطور وتنوع الثقافات الاخرى عبر العالم. أنور الشعافي (مسرحي) تحيين التشريعات المنظمة للقطاع الثقافي يوجد ما هو محمول على وزارة الإشراف وما هو من واجب أهل الثقافة أنفسهم. وأهمها تحيين التشريعات المنظمة للقطاع و إصدار قانون الفنان الذى يبدو أن بارونات الثقافة قد عطلوا إصداره و كذلك الانتصار للثقافة الجادة و الوقوف بحزم في وجه مديري المهرجانات الصيفية خاصة ممن يروجون لثقافة تجارية استهلاكية تحت أنظار وزارة الإشراف و تكليف الأجدر في المناصب الإدارية. . أما أهل الثقافة فعليهم استيعاب المرحلة والتفرغ للإبداع عوض الاهتمام بصراعات هامشية ومصالح شخصية. كما يجب أن يرتقوا بالتعبيرات الثقافية إلى التميز والاختلاف لا مجرد ممارسة مهنية. لكن كل هذا لن يحدث في ظل عدم وعي السياسيين بأهمية القطاع. فكل مشروع ثقافي مؤسس لا بد له من إسناد سياسي. محمّد بوحوش (شاعر) سنعاني من ثقافة تعويم المجتمع بالقيم السلبية لقد انتهت الثّقافة مع مشاريع النّهضة العربيّة في الأقطار الّتي كانت تتلمّس طريقها إلى الاستقلال السّياسيّ والاقتصاديّ وفكّ التّبعيّة. هل يمكن أن ننتظر فعلا ثقافيّا خلال الخمس سنوات القادمة في تونس، الجواب قطعا بالنّفي. فالثّقافة الحاليّة، وما سيأتي منها لاحقا هي مجرّد فعاليّات باهتة لا تستند إلى أيّ مشروع مجتمعي وحضاريّ. سنكون حتما أمام ثقافة فاقدة للمرجعيّات الوطنيّة، بل ذات مرجعيّات ليبراليّة موغلة في التوحّش والاستلاب والاغتراب، وقائمة على التّسطيح والميوعة والنّجوميّة الزّائفة برعاية رأس المال الطّفيليّ الحاكم الّذي تقوده أحزاب ليبراليّة مائعة ومترهّلة، وأخرى محافظة ذات توجّه دينيّ ماضويّ لا علاقة له بالإبداع وبناء الإنسان، ثقافتها في العنعنة ومتون الأسلاف. ثمّ إنّ الثّقافة فعل تغيير وبناء يطال سلوكات النّاس وعقلياتهم وقيمهم ووجدانهم وعاداتهم يهدف إلى الرقيّ بالإنسان، وتجاوز حالة الهمجيّة والتخلّف والانحلال والتسيّب. فعل مبنيّ على استراتيجيّات ينشد المدنيّة والمواطنيّة والمشاركة، ويتوق إلى الإبداع الفكريّ والأدبيّ والعلميّ وخلق الثّروة والتّقنية والقيم الجديدة. غير أنّ واقع الحال خلاف لذلك فثمّة استشراء لثقافة الميوعة والانحطاط والعنف والتّسطيح، إضافة إلى الثّقافات العابرة الّتي تمجّد النّجوميّة وقيم البزنس، والوصوليّة ومظاهر الاستهلاك السّلبيّ والوعي الزّائف والانبتات. سنكون كالعادة أمام ثقافة تعويم المجتمع بالقيم السّلبيّة الّتي تحطّ من قيمة التّعليم والمعرفة والعلم والإبداع. عباس سليمان (كاتب قصة وناقد) ستكون السنوات القادمة مريرة في غياب الثقافة الجادة بعد أن انكشف للنّاس جميعا أنّ إهمال الثّقافة الحقيقيّة خلال السّنوات الماضية قد زجّ بالبلاد في سبل رديئة ورسّخ سلوكيات مرَضيّة وحاد بالعقول والأذواق عمّا يُنتظر منها ونأى بطرق التّواصل عن المطلوب، بات مُلحّا أنّ السّنوات القادمة ستكون مريرة إذا لم تُعط للثّقافة مكانتها التي هي جديرة بها وللمثقّفين الحقيقيّين مقاماتهم التي تؤهّلهم للقيادة والرّيادة والإصلاح والنّقد وتقديم البدائل. ينبغي لتقوم الثّقافة بأدوارها أن نتّفق بشكل صارم حول مفهومها حتّى لا يظلّ فضفاضا فاسحا المجال لكلّ الأنشطة ولكلّ النّاشطين ولكلّ المستويات ومُدمّرا بذلك المعنى الحقيقيّ الذي ننشده ونعوّل عليه لينهض بالبلاد وبالعباد. زهرة الظاهري (روائية) تحصين ثقافتنا الوطنية من كل الشوائب كنا على مدى سنوات متشبثين بثقافتنا التي اكتسبناها على مدى حقبة زمنية طويلة وكنا إذا ما رمنا الإضافة والتغيير فلا يمكن أن يكون ذلك على حساب قطعنا النهائي مع ما ألفناه وورثناه عن أسلافنا. هذا على خلاف ما نجده اليوم من شبه قطيعة لدى الفئة الشبابية خاصة التي أصبحت تعيش شبه نفور وتقاطع تام مع ماضيها وحتى مع واقعها لتؤسس لواقع آخر مغاير ومختلف إن لم نقل غريبا إضافة إلى تداخل إيديولوجيات فكرية متطرفة وغريبة عنا وعن مجتمعنا وأصبحت خطرا يترصد بنا ويؤثر بطريقة ما على معاملاتنا وسلوكاتنا اليومية. وبالتالي وحتى أكون أكثر تفاؤلا وقد مللنا من الأوضاع المتأزمة للبلاد خلال السنوات الأخيرة فإنني أوجه نداء لا إلى المسؤولين فقط بل إلى جميع الشرائح الاجتماعية لأجل أن نحترم أسس ثقافتناونعتز بها ونذود عنها ، كل من جهته ، من كل ما يمثل عناصر دخيلة من شأنها الإساءة إلى ثقافتنا وسلوكنا وهذا الأمر لا يستقيم حسب رأيي إلا إذا ما توفر مستوى عال من الوعي الفردي والجماعي على حد السواء بضرورة الرقي بثقافتنا وتحصينها من كل الأسباب التي قد تشوه معالمها وتدمر خصوصيتنا كمجتمع عربي يعتز بتاريخه وبحضارته وبأسبقيته في إنجازه الديمقراطي الذي نأمل أن لا يحيد عن مساره الحقيقي ويتحول إلى فوضى عارمة وأزمة نحن في غنى عنها. محمد الهاشمي بلوزة (شاعر وناقد) الثقافة هي الغائب الأكبر في كل المشاريع أرى أن كل شيء حظي ربما بالاهتمام إلا الثقافة والمثقفين فنصيبهم كان التهميش والإهمال المتعمد. كل السياسيين الذين تداولوا على السلطة بمختلف مواقعها لم يكن من ضمنهم مثقف ولم يدافع أي منهم عن مشروع ثقافي لذا ترى برامج المترشحين للرئاسة وهم نتاج لما حصل في السنوات المذكورة لم يتحدث أي منهم عن الثقافة أو عن تصوره للثقافة وعما يمكن أن يطرح من برامج للنهوض بالثقافة والمثقفين وعموما أنا أعرف أن الدولة والسياسيين لا يصنعون ثقافة وحده المثقف من يصنعها فالساسة الذين يمسكون بالحكم إنما يرغبون في تكريس ثقافة الدعاية والموالاة للتغطية على فشلهم باختصار شديد الثقافة هي الغائب الأكبر في كل المشاريع.