بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمد البدوي (رئيس اتحاد الكتاب) ل «التونسية»:الكتاب أصبح غريبا في أمّة «إقرأ»!
نشر في التونسية يوم 29 - 12 - 2014


نجحنا في المحافظة على استقلالية الاتحاد
موقع المثقف الحقيقي... فوق الأحزاب
مستقبل الكتاب بين أيدي أهل السياسة وأصحاب رأس المال
شعار المرحلة المسكوت عنه هو «تهميش الثقافة»
حاوره: عبد السلام لصيلع
ينعقد بداية هذا الأسبوع بمدينة المهدية المؤتمر التاسع عشر لاتحاد الكتاب التونسيين... وسينتخب هيئة مديرة جديدة.
بالمناسبة تستضيف «التونسية» في حوار اليوم الدكتور محمد البدوي رئيس الإتحاد الذي تحدث عن المؤتمر، وعن تقييمه للمدة الماضية، وأوضاع الإتحاد والكتّاب، والحياة الثقافية والأدبيّة في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الكتاب التونسي، والمرحلة القادمة، والعلاقة المتوتّرة بين المثقّف والسياسي....
ماهي استعداداتكم للمؤتمر التّاسع عشر لإتحاد الكتاب التونسيين؟
الاستعدادات للمؤتمر عادية لأنها في أوقاتها وحرصنا على احترام المواعيد دون تقديم أو تأخير، ولكننا اضطررنا إلى جعل المؤتمر في غير نهاية العطلة لأن موعد 28 ديسمبر كان مرشحا للإنتخابات الرئاسية وكان لابدّ من تأكيد الحجز بالفندق فاضطررنا إلى جعل المؤتمر يومي الإثنين والثلاثاء 29 و30 ديسمبر 2014. ولقد قمنا بالإعداد المادي المتصل بطبع الملصقات واللّوازم المعتادة في كلّ مؤتمر يحترم أعضاءه. وسعينا لدى وزارة الثقافة لتتبنّى كما عوّدتنا دوما جانبا من مصاريف المؤتمر حتى لا تكون على حساب منحة النشاط والنشر. ولنا أمل كبير في الادارة الحالية لوزارة الثقافة التي وقفت معنا في المناسبات الدقيقة مثلما فعلت في زيارة الوفد الصّيني الى تونس في ماي المنصرم.
ماهو تقييمك للمدّة الماضية منذ المؤتمر الثامن عشر الى اليوم؟
تقييمي سيكون منشورا بعد أن أفرغ قريبا من مهمّتي من خلال ثلاثة مجلّدات تحمل عناوين «الأمل التحدي الحصاد» وهي عبارة عن يوميات رئيس اتحاد الكتاب التونسيين وفيها تعرية للمشهد الثقافي من الزاوية التي كنت أتابع من خلالها المشهد وقد يكون هذا التقييم نسبيا ولكنه ليس بعيدا عن الواقع لأني ملمّ بتفاصيل المرحلة وكنت أدوّنها باستمرار وبصفة تكاد تكون يومية ويمتزج فيها الذّاتي والموضوعي والسياسي مع الاجتماعي والثقافي. وهي بادرة توثيقية أرجو أن تتواتر مع آخرين وفي مختلف الميادين. ويمكن مقارنة ما سأصل اليه من تقييم بما كان في الدّورات الماضية من تاريخ اتحاد الكتاب. ولست أدري أمنْ حسن حظّنا أم من سوئه أننا جئنا في مرحلة دقيقة جدا مباشرة مع الثورة التي واكبناها وقمنا بحركة تصحيحية قبل 14 جانفي 2011 بأيام.
كانت هذه المرحلة صعبة للغاية لأن طموحات الأعضاء كثيرة ومشروعة والامكانيات التي كانت في الأصل ضعيفة تراجعت الى الرّبع. ومع هذا فقد نجحنا في أشياء كثيرة وتعثرت خطانا في أشياء أخرى.
وأهمّ شيء نجحنا فيه هو المحافظة على استقلالية الاتحاد والنأي به عن التجاذبات الحزبية والصّراعات السياسوية. ورغم أن اتحاد الكتاب التونسيين منفتح على كلّ التيارات الفكرية وغيرها فإننا لم نسمح باستغلال المنظمة وتوجيهها في أي مسار حزبي. وكانت بياناتنا صريحة وجريئة واختلفنا مع الاختيارات الرّسمية للحكومة ولرئاسة الجمهورية كما في مواقفنا من سوريا ومصر ومن الشأن الداخلي. لقد نجحنا في أن نبرز استقلاليّة الإتحاد في الوقت الذي عبّرت فيه منظمات شبيهة عن ولائها لجهات معيّنة وهي حرّة في اختياراتها. كما نجحنا في إنجاز عدّة أنشطة سيبرزها التقرير الأدبي وتوفّقنا في اشعاع الإتحاد عربيا وقاريا فكان حضورنا في اتحاد الكتاب العرب أو في كتاب آسيا وافريقيا محترما وقدمنا الاضافة. وفي علاقتنا مع الصين نجحنا في خلق تواصل وتبادل للوفود سيستفيد منه كثيرون لاثراء معرفتهم بالآخر.
ومن خصائص التقييم الإقرار بأن القائمة التي نجحت في المؤتمر السابق ذهب نصفها مع الريح ولم يقدّموا شيئا يشرفهم وكانت المراهنة عليهم فاشلة وستكون التفاصيل في وقتها. وليتهم ما ترشحوا.
ماهي الأوضاع المادية والمعنوية للإتحاد؟
مثلما ذكرنا آنفا فإن حال الإتحاد هي من حال البلاد ونحن نراعي الظروف الصعبة التي تمرّ بها بلادنا. ونأسف أن بعض الوزراء السابقين تعاملو معنا وكأنهم سيعطوننا من مالهم الخاص، رغم أن تمويل العمل الثقافي من المال العام حقّ صار يقرّه الدستور وليس مزية من أحد والبعض كان يقول: «هاني أعطيتكم كذا وكذا». وباسم العدل يساوي بين جمعيّة فيها 650 كاتبا وأخرى لا يتجاوز عددها 30 نفرا وليس لها نشاط يذكر.
وما عانينا منه حقا هو البطء الإداري. فمنحة هذين العامين الماضيين وصلت في أوت ومنحة هذا العام وصلت في آخر أكتوبر. فكيف ستنشط في هذه الظروف وكيف ستموّل محاضرات وأمسيات؟ ومن المشاكل التي اعترضتنا أن الادارة التونسية اشترطت علينا أن يكون لنا معرّف جبائي، وساوت بيننا وبين الشركات والجمعيات الخيرية وهو أمر لا يستقيم لأننا جمعية ثقافية منحتنا ملاليم ولسنا خيرية تأتيها المليارات من جهات معروفة وغير معروفة. واعتمدنا في أنشطتنا على علاقاتنا الطيبة مع الكثير من الأدباء من تونس وخارجها. وما نأسف له أنه ستبقى في رقابنا ديون عديدة لاتحاد الكتاب العرب واتحاد كتاب آسيا وافريقيا ونرجو أن يتم تسديدها بالتنسيق مع الوزارات القادمة رغم أن الدكتور مراد الصّكلي عبّر عن استعداده لدفع هذه الديون بما يتيسر للوزارة وكان عند وعوده في كثير من الأمور.
هناك عدّة هياكل للكتّاب، لماذا لا يقع توحيدها في هيكل واحد؟
في البدء لابد من التذكير أن اتحاد الكتاب التونسيين وان كان منفتحا على كلّ التيارات والتوجهات الفكرية والايديولوجية فهو لا يعارض وجود جمعيات أخرى شبيهة ونحن نشترك في العمل الثقافي ونتعاون رغم اختلافنا ولا أحد يعوّض أو يلغي الآخر.
كثيرون عاملونا بمنطق الاقصاء والانتقام لكن الأيام أثبتت عراقة الاتحاد وصلابته. لقد عبّرنا في محاضر الجلسات وفي وسائل الإعلام عن ترحيبنا بالجمعيات التي نبتت في المدة الأخيرة وإن كان وجود بعضها لم يتجاوز صفحات الفايس بوك أو الجلسة التأسيسية. ولم نعمد الى اقصاء من انتموا الى هذه الجمعيات من غير أن يقدموا استقالاتهم رسميا كما فعلوا عند طلب الانخراط وترفّعنا عن الدخول في مهاترات مع من سعوا الى تحقيق بطولات افتراضية وحاربوا طواحين هوائية، بل وجهنا اليهم دعوات الحضور في المؤتمر وتجاوزنا عن كثير من الممارسات الصّبيانية.
لقد دعونا بعض أعضاء الجمعيات المنافسة الى حضور أنشطتنا على أن نلبي دعواتهم لكنهم آثروا أن يبقوا بعيدين. وليكن فإن لاتحاد الكتاب أناسا يحبّونه ويغارون عليه.
أما عن توحيد المنظمات في هيكل واحد فلا أرى فيه جدوى حاليا، لأن كثيرين يبحثون عن زعامات ووجاهة لن يحصلوا عليها في اتحاد الكتاب الذي يخضع لمنطق انتخابي ونظام داخلي وتجاوز مرحلة الهواية. ومن رغب أن يكون مع الجماعة ومع الأغلبية فالإتحاد مفتوح لمن له كتابان منشوران. ولقد انتهى زمن الإنخراط بمقالات صحفية أو بعلاقات شخصية أو جهوية أو انتخابية. واتحاد الكتاب ليس ملك لأحد أيّا كان. وانتهى زمن بقاء المسؤول في الهيئة المديرة أو في الرئاسة أكثر من دورتين.
لماذا نلاحظ عزوفا من الكتاب والأدباء عن الاتحاد؟
لست أدري من أين جاء العزوف وقد انخرط في الاتحاد منذ الثورة الى اليوم أكثر من 200 كاتب جميعهم نشروا كتابين أو أكثر، والاستثناء الوحيد كان لكاتب كفيف له أربعة كتب لم تسمح ظروفه المادية إلا بنشر كتاب واحد. ولسنا كمن يرغب في تضخيم الجمعية فيقبل الأعضاء بكتاب واحد. ونحن لم نمنح العضوية لأي كاتب كما ذكرت سابقا دون أن يكون جديرا بها. والأكثر من هذا أنّنا رفضنا مطالب انخراط عديدة لأصحابها كتابان وأكثر لأن الانتاج ضعيف أو لأنها تخرج عن الاختصاص. فالذين انخرطوا منذ الثورة الى اليوم يكوّنون وحدهم جمعية ولا يمرّ اجتماع هيئة مديرة لا تكون فيها مطالب انخراط. ومنذ أيام أغلقنا باب الانخراط حتى لا يؤوّله البعض بأنه لأسباب انتخابية. وأغلب أعضاء الهيئة غير معنيين بالترشح ولا تعنيهم شؤون الانتخاب.
وما ينفي وجود العزوف هو أن أنشطتنا أسبوعية بل قد تعددت في الأسبوع الواحد.
كان لنا لقاء مع الشاعر اللّيبي محمد علي الدنقلي ولم تكف الكراسي لكل الحاضرين. لكننا لا ننكر أن انشغال الناس بالشأن السياسي الذي غرقت فيه وسائل الإعلام كادت تنسيهم الأنشطة الثقافية.
كيف كانت الحياة الثقافية والأدبية في الأربع سنوات الماضية؟
كيف تريد للثقافة أن تكون في خضمّ هذا الصراع السياسي وفي التجاذبات الحزبية والسياسوية التي ملأت ساعات البثّ اليومي لمختلف القنوات حتى ضجّ الناس من هذه الخطابات المصلحية التي ضاعت فيها قيم الثقافة والإبداع، وصار الكسب في الانتخابات موضوع كلّ الجهود؟ وتقرأ في الصحف وتسمع في القنوات فلا تكاد تجد برنامجا ثقافيا لأيّ حزب بما في ذلك الأحزاب الكبيرة بين قوسين. إنّ شعار المرحلة المسكوت عنه هو «تهميش الثقافة» وقد يكون اراديا أو عن جهل لأن فاقد الشيء لا يعطيه. إننا نأسف بحق لطريقة تعامل المؤسسات الرسمية والإعلامية مع الشأن الثقافي والأدبي. وإذا استثنينا اذاعة «تونس الثقافية» فإن بقية الإعلام المرئي خصوصا ساهمت في تهميش العمل الثقافي ونشاط الاتحاد بصفة خاصة. وحتى ان حضرت بعض الأسماء الأدبية والشعرية فلكيْ تحقق الفرجة SHOW.
وهذه النظرة القاتمة لا تنفي وجود أناس يعملون في صمت الزّهّاد والعابدين بعيدا عن الأضواء ليقدموا الاضافة المرجوة وينحتوا واقعا ثقافيا ملتزما بالقيم النّبيلة التي قامت من أجلها الثورة في كلّ المجالات.
والآن كيف هي هذه الحياة الثقافية والأدبية؟
اليوم امتداد للأمس ولكن الأمل صار معقودا على تجاوز المرحلة الإنتقالية من خلال كتابة الدستور وانتخاب مجلس نوّاب الشعب ورئيس للجمهورية ويصبح بامكان الحكومة القادمة أن تعمل على امتداد خمس سنوات وهي مطالبة بتحقيق التوازن بين التنمية الإقتصادية والإجتماعية والتنمية الثقافية بكل مقوّماتها.
ماهو وضع الكتاب التونسي، طباعة وترويجا وقراءة؟
لا شك أن الكتاب أساس كلّ نهضة فكرية وثقافية. ولو تألمنا في الأمم المتقدمة صناعيا واقتصاديا لوجدنا أنها متقدمة ثقافيا وأن عدد المطبوعات في بلد واحد يساوي كل ما تطبعه الأقطار العربية مجتمعة. ولا تكاد تجد محطة قطارات أو مساحة تجارية كبرى تخلو من جناح لبيع الكتاب. ولو نظرنا في عدد المنشورات كلّ سنة بتونس لوجدناها في تصاعد هندسي.
لكن كميّة السّحب في تناقص مريع وانتقل الطّبع بآلاف النسخ الى طبع بالمئات لأن القرّاء والمقبلين على الكتاب صاروا عملة نادرة، وأصبح الكتاب غريبا في أمّة «إقرأ» ولو لم يكن دعم وزارة الثقافة بالورق والشراءات لأغلقت دور النشر أبوابها ولتخصصت المطابع في انتاج الفواتير والملصقات.
فالأزمة الحقيقية هي أزمة توزيع، وهي مرتبطة بوجود القارئ. ولو توفر القراء لجاءتهم الكتب تسعى. وحتي المكتبات العمومية التي توفر للقراء مادة ثرية تحوّلت في فترات عديدة الى قاعات مراجعة. ولابد من معالجة الأمر بين وزارة الثقافة ووزارة التربية التي فقدت مكتباتها المدرسية. وكان بالامكان أن تتفوّق وزارة التربية على شقيقتها وزارة الثقافة في الشراءات لتمويل مكتباتها المدرسية.
ماهو المطلوب من أجل الثقافة والأدب والابداع والفكر في هذه المرحلة وفي المرحلة القادمة؟
المطلوب ليس من هؤلاء لأنهم يشتغلون كلّ في ميدانه وبامكانياته ويقدمون باستمرار انتاجا يختلف من واحد الى آخر في الجودة. والمطلوب حقا هو من الساسة ومن القائمين على الشأن العام وعلى وسائل الإعلام للتعريف بانتاجنا في مختلف المحافل ليسافر في كل الآفاق وليشجّعوا على نقله الى لغات العالم.
والمطلوب هو مساهمة رأس المال الوطني في دعم العمل الثقافي باعتباره قطاعا حيويا.
ولو كان ثمّة وعي حقيقي بالمسألة الثقافية لتحوّلت وزارة الثقافة الى وزارة سيادة. وتصلنا في اتحاد الكتاب التونسيين في كل سنة مراسلة من لجنة جائزة نوبل للآداب تطلب منّا نرشيح اسم أو أكثر لنيل جائزة العام الموالي. وليس خافيا أنّنا نجد صعوبة في الاختيار ليس لأن أدبنا غير جيّد بل لأنه لا يتجاوز الحدود ولم ينتقل الى لغات العالم ولا يكاد يسمع به أحد إلا نصوص قليلة. فالمسؤولية مشتركة بين أصحاب القرار السياسي وأصحاب رأس المال الوطني للوقوف الى جانب المبدعين وإخراج الأعمال المخطوطة والمرقونة من رفوف المكتبات الجامعية والتعريف بها داخليا وخارجيا.
ثبت أن هناك أزمة قائمة في مستوى القطيعة بين المثقف والسياسي في تونس فكيف الخروج منها؟
طبيعي أن تكون ثمّة قطيعة لأن المثقف يتعالى على السياسي ايمانا منه بأنه مبدع وأنه قام بواجبه من حيث انتاج المادة الثقافية وبقيّة المسؤولية يتحملها السياسي والإداري. والسياسي بدوره يخشى من المثقف لأنه مؤهل في كلّ آن كي يسحب منه البساط ويأخذ مكانه. وقد تكون الصدفة وحدها والعلاقات الجانبية سببا في ظهور هذا السياسي، فيتوهم أنه بامتلاكه السلطة يمتلك الرّقاب. لكل حزب مثقفوه ومنظّروه، ولكن المثقف الحقيقي هو من يكون فوق كلّ الأحزاب... إنها تحتاج إليه وليس هو من يحتاج اليها. وفي العالم العربي والعالم الثالث عموما نجد العلاقة مقلوبة.
ونجد المثقف يتودّد للسياسي طمعا في الفتات، وهؤلاء غالبا ما يكونون من المتعلّمين لا من المثقفين وشتّان بين الاثنين.
أنت ككاتب وجامعي كيف ترى مستقبل تونس؟
قدري أن أكون متفائلا وإلا على الدّنيا السلام. إننا مازلنا نصرف من الرّصيد الذي كسبته تونس من الإصلاح التربوي وتعميم التعليم في الستينات والسّبعينات، ونحتاج بصفة خاصة الى اصلاح جوهري للتعليم ينقذ المؤسسة التربوية والبحث العلمي من جناية العهد السابق الذي انساق فيه خبراء التربية الى املاءات أجنبية و«تعلّموا الحجامة في رؤوس اليتامى». فكان ما سمّي بالاصلاحات عبارة عن تجارب عبثت بكثير من المكاسب وأنتجت جيلا فارغ الذهن، فاقدا لأدنى مقومات الشخصية، يبحث عن بطولات فلا يجدها في غير كرة القدم التي تحقق له بعض الأوهام وتوهمه بما يتمنى واستثني عددا من الشباب المتميز الذين تصرف البلاد على تعليمهم ويبقون في أوروبا وأمريكا نظرا لتوفر المناخ الفكري والإقتصادي والسياسي المشجع على الإبداع في أي مكان كان.
وماذا تضيف في النهاية؟
سنقدم للمؤتمر القادم حصاد ما أنجزنا وأنا مدرك أنه لن يعجب من في نفوسهم مرض حتى وإنْ جئناهم بالعجب العجاب. وإرضاء الناس غاية لا تدرك. المهم أننا لم نكن منفصلين عن الشأن العام ولم نسكن أبراجا عاجية. فمن حسن حظ الإتحاد في هذه المرحلة أن كنت متقاعدا وليست لي التزامات عائلية كبيرة فسخّرت أغلب وقتي للمنظمة التي مازال البعض يقارنها بالسّنوات التي كان يشرف عليها رجال الدّولة ونعني الوزير الأول الأسبق المرحوم محمد مزالي ووزير الثقافة الأسبق البشير بن سلامة. وكانت الميزانية الى سنوات قليلة تصل الى أكثر من 150 آلف دينار في السنة.
وكان بالمقر أربعة موظفين وساع، واليوم بعد أن سحبت وزارة الثقافة كل موظفيها صار رئيس الإتحاد يقوم بأغلب الأدوار خصوصا بعد تخلّي أطراف عديدة في الهيئة المديرة لم يكونوا في حجم المسؤولية. وستكشف اليوميات هذا بالتفصيل.
فلا تجوز المقارنة مع وجود الفارق. ولهذا لم أشأ أن أدخل في جدال عقيم مع من يعيشون الى اليوم على ذكرى محمد مزالي رحمه الله وهم لا يعرفون أحدا من الهيئة ولا ماذا كتب. وربّي يكون في عون الهيئة القادمة.
وبعيدا عن الأماني نرجو أن تتعدّل الأوتار ويصبح التونسي يقدّس قيمة العمل، فمازلنا نردد عبارة «العمل عبادة» ولكننا لا نعمل بها. فهل يحقق الجيل القادم ما عجزنا عن تحقيقه نحن؟ إنّ غدا لناظره قريب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.