صفاقس / الإطارات النقابية للقطاع الخاص : "الإضراب المزمع تنفيذه يوم 18 نوفمبر الجاري شرعي وقانوني"    مسؤول كبير: الطريق أصبح ممهدا للموافقة على المقترح الأمريكي لمستقبل غزة    الرقصة الأخيرة.. رونالدو يتحدى ميسي في "عقر داره"    العلم يكشف: لماذا لا ينسى بعض الناس الوجوه أبداً؟    خلال شهر أكتوبر: حجز كميات هامة من البضائع المهربة بقيمة ناهزت 30 مليون دينار    ولاية نابل تستضيف النسخة العاشرة لمعرض تحف وهدايا آخر السنة من 16 إلى 25 ديسمبر 2025    فاكهة التنين في تونس .. زراعة تتأقلم مع التغيّرات المناخية والشحّ المائي    في ظل ثورة تكنولوجية عالمية: الذكاء الاصطناعي خطر أم دعامة اقتصادية؟    أولا وأخيرا «حديد يحك حديد»    المهرجان الدولي لأفلام حقوق الانسان .. .نجاح جماهيري كبير في عشرية المهرجان    حكاية    أريانة: تكريم محمد علي بالحولة    لمواجهة حماس وحزب الله وإيران ...ترامب يُجنّد الجولاني !    "فاشن بوليس": اطلالات مُميزة لمشاهير تونس في حفل نجوم تونس و الهام شاهين تثير الجدل!    بطولة العالم النسائية للتايكواندو: ميدالية برونزية للتونسية وفاء المسغوني في وزن تحت 62 كلغ    الجزائر: تبون يأمر بفتح تحقيق في الحرائق التي شهدتها عدة ولايات    تعويضات ب 4.6 مليون دينار على حوادث مرور تسبّبت فيها سيّارات أجنبيّة على التّراب التّونسي..    ترامب يستعد لإبرام صفقة عملاقة جديدة مع السعودية    ألعاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): آية الدريدي تحرز برونزية الووشو كونغ فو لوزن تحت 60 كلغ وترفع الحصيلة التونسية الى 11 ميدالية    مصر.. القبض على فنان معروف بحوزته مخدرات في ميدان التحرير    غدا/ النظر في قضيّة ما يعرف ب"التآمر على أمن الدولة 1″.. وهذه تفاصيل التّهم..    تنبيه/ تدمر الذاكرة: مختصّة في مرض الزهايمر تدعو إلى تجنّب هذه العادات اليومية..    الرابطة المحترفة الثانية (الجولة التاسعة): نتائج الدفعة الثانية والترتيب    ارتفاع طفيف في الحرارة الليلية.. في انتظار تغييرات الأسبوع القادم    سيدي حسين: ينهال على تاكسيست طعنا بسيف يسلبه ثم يفتك سيارته    انخفاض الانتاج الوطني من البترول الخام بنسبة 10 بالمائة موفى سبتمبر 2025 ت    15ترخيصا ساري المفعول في مجال المحروقات الى موفى سبتمبر 2025    الميزان التجاري لقطاع النسيج والملابس يفقد 3،4 نقطة موفى جويلية 2025    إكتشاف جديد: دم المصابين ب''كوفيد طويل الأمد'' يخبي أسرار خطيرة!    محطّة جديدة لسيّارات الأجرة تُفتَح قريبًا في هذه الولاية    أطول فندق في دولة عربية يفتح أبوابه رسمياً!    مظاهرة حاشدة في ألمانيا و سويسرا للمطالبة بتصنيف الإخوان "منظمة إرهابية"    عاجل: ترامب يستثني عشرات السلع الغذائية من الرسوم الجمركية!    الفيفا يكثف جهوده للتصدي للإساءة عبر وسائل التواصل الاجتماعي    شات جي بي تي ولى ينجم يشارك فالمحادثات الجماعية..شنيا الحكاية؟    عاجل: جامعة السباحة ترد على أحمد الجوادي    ميزانية 2026: مهمة وزارة التجهيز والاسكان تشهد ارتفاعا بنسبة 6،3 بالمائة    عاجل: قريباً إصدار كراسات الشروط لدور الضيافة والإقامات الريفية!    المنتخب التونسي يتحول الاثنين الى مدينة ليل الفرنسية لملاقاة البرازيل وديا    إمضاء اتفاقية ترتيبات موسم الحج خلال زيارة عمل لوزير الشؤون الدينية للمملكة العربية السعودية    بشرى سارة: جودة زيت الزيتون هذا الموسم أحسن من الموسم الفارط!    عاجل: غلق 11 محل ومطعم يهدّد صحة المستهلك في العاصمة    بريطانيا تنوي إجراء أكبر تغيير لسياستها المتعلقة باللاجئين في العصر الحديث    لجنتا المالية والميزانية تستمعان إلى مقترحات مهنيين وهياكل وطنية حول مشروع قانون المالية لسنة 2026    الصدمات الجوية جاية: تغيّرات كبيرة على الأبواب    الأحد: الحرارة تصل الى 30 درجة    وزيرة العدل: أكثر من 63 ألف منتفع بقانون الصلح في قضايا الشيك دون رصيد... وتراجع عدد المساجين إلى 222 فقط    نجاح أول عملية دقيقة لاستئصال ورم كبير في المستشفى الجهوي بالمتلوي    رأي: الإبراهيمية وصلتها بالمشروع التطبيعي الصهيوني    مع الشروق : خيارات الشراكات الاستراتيجية    المعهد الوطني للرصد الجوي: أكتوبر 2025 أكثر حرارة من المعدل العادي    مونديال قطر لأقل من 17 سنة: تونس تواجه النمسا اليوم ...الوقت و القناة الناقلة    طقس اليوم: الحرارة في ارتفاع طفيف    شوف وقت صلاة الجمعة اليوم في تونس    ''حُبس المطر'': بالفيديو هذا ماقله ياسر الدوسري خلال صلاة الاستسقاء    كم مدتها ولمن تمنح؟.. سلطنة عمان تعلن عن إطلاق التأشيرة الثقافية    ديوان الافتاء يعلن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار    عاجل : وفاة المحامي كريم الخزرنادجي داخل المحكمة بعد انتهاء الترافع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معهم في رحلاتهم ...مع ابن جبير في رحلته المتوسّطيّة (4)
نشر في الشروق يوم 17 - 09 - 2019

نحاول بهذه الحلقات من أدب الرحلات إمتاع القارئ بالتجوال في العالم رفقة رحّالة وكتّاب شغفوا بالترحال وأبدعوا على اختلاف الأنظار والأساليب في وصف البلدان، سواء انطلقوا من هذا القطر أو من ذاك، مع العلم بأنّ أكثرهم من المغرب الكبير ووجهاتهم حجازيّة لأولويّة مقصد الحجّ و غلبة المشاغل العلميّة والثقافيّة على آثارهم باعتبارهم فقهاء وأدباء، على أنّ الرحلة تكون ممتعة أكثر مع آخرين جالوا في قارات أخرى.
وفي عيذاب انتقد البجاة بشدّة لاستغلالهم الحجّاج – كما في الإسكندريّة والصعيد – إذ يزجّون بهم في السفن بأكثر من حمولتها دون الخشية من خطر الغرق معبّرين عن جشعهم بقولهم : علينا بالألواح ، وعلى الحجّاج بالأرواح « (ص 48). لذلك ينصح ابن جبير الحجّاج بترك طريق مصر واتّخاذ طريق الشام والعراق حسب مواطن الانطلاق (ص 48). وهل ثمّة ما هو أفضع من أن يسلكوا بالحجّاج ، على الجمال التي اكتروها في عيذاب طرقا لا ماء فيها كي يموتوا عطشا فيستحوذوا على نفقتهم وما سواها ( ص 46) . لذلك وصفهم بأنّهم « فرقة أضلّ من الأنعام سبيلا وأقلّ عقولا ، لا دين لهم سوى كلمة التوحيد» (ص 48 – 49) حتّى أنّ النبيّ «سليمان اتّخذها سجنا للعفاريت « (ص 49). فما أبعدهم عن العذوبة، وما أقربهم من العذاب ! وعيذاب على البحر الأحمر، مثل قوص على النيل ، وما بينهما من الصحراء مدن تجاريّة على طريق قوافل التجّار والحجّاج ، حيث يبرّر المال الوسيلة ويشرّع الحيلة تبعا لاختلاط الأصول والعوائد.
اجتاز ابن جبير البحر الأحمر إلى جدّة ، ووصف السفن المخصّصة للحجيج بما يطلب أربابها من المبالغ، ولاحظ بأسف وتقدير أنّ سكّان جدّة وأحوازها من الصحراء والجبال «أشراف علويّون: حسنيّون وحسينيّون وجعفريّون، رضي الله عن سلفهم الكريم. وهم من شظف العيش بحال يتصدّع له الجماد إشفاقا، ويستخدمون أنفسهم في كلّ مهنة من المهن: من إكراء جمال إن كانت لهم، أو مبيع لبن أو ماء، إلى غير ذلك من تمر يلتقطونه أو حطب يحتطبونه. وربّما تناول ذلك نساؤهم الشريفات بأنفسهن،فسبحان المقدّر لما يشاء. ولاشكّ أنّهم أهل بيت ارتضى الله لهم الآخرة ولم يرتض لهم الدنيا. جعلنا الله ممّن يدين بحبّ أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا» ( ص 53) .
ثمّ تركها يوم 11 ربيع الآخر 579 ه / 2 أوت 1183 م ليصل إلى مكّة بعد ثلاثة أيّام ، ويخصّص عديد الصفحات لوصف المسجد الحرام . « البيت المكرّم له أربعة أركان. وهو قريب من التربيع. وأخبرني زعيم الشيبيين الذين إليهم سدانة البيت، وهو محمد بن إسماعيل بن عبد الرحمن من ذرّية عثمان بن طلحة بن شيبة بن طلحة بن عبد الدار صاحب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وصاحب حجابة البيت: أنّ ارتفاعه في الهواء من الصفح ( أي الجانب أو الوجه ) الذي يقابل باب الصفا، وهو من الحجر الأسود إلى الركن اليماني تسع وعشرون ذراعا، وسائر الجوانب ثمان وعشرون، بسبب انصباب السطح إلى الميزاب. فأوّل أركانه الركن الذي فيه الحجر الأسود، ومنه ابتداء الطواف، ويتقهقر الطائف عنه ليمرّ جميع بدنه به، والبيت المكرّم عن يساره. وأوّل ما يلقى بعده الركن العراقي، وهو ناظر إلى جهة الشمال. ثمّ الركن الشامي، وهو ناظر إلى جهة الغرب، ثمّ الركن اليماني، وهو ناظر إلى جهة الجنوب، ثمّ يعود إلى الركن (الذي به الحجر) الأسود، وهو ناظر إلى جهة الشرق. وعند ذلك يتمّ شوطا واحدا.
وباب البيت الكريم في الصفح الذي بين الركن العراقي وركن الحجر الأسود، وهو قريب من الحجر بعشرة أشبار محقّقة. وذلك الموضع الذي بينهما من صفح البيت يسمّى الملتزم، وهو موضع استجابة الدعاء. والباب الكريم مرتفع عن الأرض بأحد عشر شبرا ونصف. وهو من فضّة مذهّبة، بديع الصنعة، رائق الصفة، يستوقف الأبصار حسنا وخشوعا للمهابة التي كساها الله بيته. وعضادتاه كذلك، والعتبة العليا كذلك أيضاَ. وعلى رأسها لوح ذهب خالص إبريز، في سعته مقدار شبرين. وللباب نقّارتا فضّة كبيرتان يتعلّق عليهما قفل الباب، وهو ناظر للشرقِ، وسعته ثمانية أشبار، وطوله ثلاثة عشر شبرا. وغلظ الحائط الذي ينطوي عليه الباب خمسة أشبار. وداخل البيت الكريم مفروش بالرخام المجزّع، وحيطانه رخام كلّها مجزّع. قد قام على ثلاثة أعمدة من الساج مفرطة الطول، وبين كلّ عمود وعمود أربع خطى. وهي على طول البيت متوسّطة فيه. فأحد الأعمدة، وهو أوّلها، يقابل نصف الصفح (أي الجهة أو الجانب) الذي يحفّ به الركنان اليمانيّان. وبينه وبين الصفح مقدارثلاث خطى. والعمود الثالث، وهو آخرها، يقابل الصفح الذي يحفّ به الركنان العراقي والشامي. ودائر البيت كلّه من نصفه الأعلى مطليّ بالفضّة المذهّبة المستحسنة، يخيّل للناظر إليها أنّها صفيحة ذهب لغلظها. وهي تحفّ بالجوانب الأربعة وتمسك مقدار نصف الجدار الأعلى.وسقف البيت مجلّل بكساء من الحرير الملوّن. وظاهر الكعبة كلّها من الأربعة الجوانب مكسوّ بستور من الحرير الأخضر، وسداها قطن، وفي أعلاها رسم بالحرير الأحمر، فيه مكتوب:» إنّ أوّل بيت وضع للنّاس للّذي ببكّة « ( آل عمران 96) ، واسم الإمام الناصر لدين الله. في سعته قدر ثلاث أذرع يطيف بها كلّها. قد شكّل في هذه الستور من الصنعة الغريبة التي تبصرها أشكال محاريب رائقة ورسوم مقروءة مرسومة بذكر الله تعالى وبالدعاء للناصر العبّاسي المذكور الآمر بإقامتها، وكلّ ذلك لايخالف لونها، وعدد الستور من الجوانب الأربعة أربعة وثلاثون سترا. وفي الصفحين الكبيرين منها ثمانية عشر، وفي الصفحين الصغيرين ستّة عشر، وله خمسة مضاوئ، وعليها زجاج عراقيّ بديع النقش، أحدها في وسط السقف، ومع كلّ ركن مضوأ، والواحد منها لايظهر لأنّه تحت القبو المذكور بعد. وبين الأعمدة أكواس من الفضّة، عددها ثلاث عشرة، وإحداها من ذهب.
وأوّل ما يلقى الداخل على الباب عن يساره الركن الذي خارجه الحجر الأسود، وفيه صندوقان فيهما مصاحف، وقد علاهما في الركن بويبان من فضّة كأنّهما طاقان ملصقان بزاوية الركن. وبينهما وبين الأرض أزيد من قامة. وفي الركن الذي يليه وهو اليمانيّ كذلك لكنّهما انقلعا وبقي العمود الذي كانا ملصقين عليه. وفي الركن الشاميّ كذلك، وهما باقيان. وفي جهة الركن العراقيّ كذلك. وعن يمينه الركن العراقيّ، وفيه باب يسمّى، بباب الرحمة، يصعد منه إلى سطح البيت المكرّم. وقد قام له قبو، فهو متّصل بأعلى سطح البيت، داخله الأدراج.
(يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.