الشاهد والزبيدي خارج السباق النهائي نحو رئاسة الجمهورية. لكن الأمر لم يقض بعد. فهناك فرصة للإنقاذ الجماعي… الشاهد يوشك على الغرق مثله مثل العائلة الديمقراطية ودعوته الأخيرة التي وجهها الى الزبيدي تشبه حبل النجاة للجميع ومقدمة لصفقة في الرئاسية. تونس «الشروق»: «يهديكم»، كانت الباحثة رجاء بن سلامة تقصد بهذا الدعاء، قبل أسبوعين، أنصار يوسف الشّاهد وأنصار عبد الكريم الزبيدي طالبة أن يوقفوا «المعارك التي تضعف الاثنين ويستفيد منها خصوم آخرون». حينها لم يستجب الشاهد والزبيدي لدعائها ولا لدعوتها. اليوم وقد حصل ما في الصدور وبات المترشحان «الديمقراطيان التقدميان» خارج السباق، رجع شاهد العقل الى أحدهما على الأقل والدليل في الدعوة التي توجه بها الشاهد الجمعة الماضي الى منافسه السابق الزبيدي طالبا منه عبر «موزاييك آف آم» الجلوس إلى «طاولة الحوار وتوحيد الجهود بهدف إنقاذ البلاد». فكرة «إنقاذ البلاد» تحتاج إلى نقاش مستفيض يقنعنا فيه الشاهد بأوجه الخطر التي تهدد البلاد وأصحاب التهديد وكيفية الانقاذ. لكن ما هو ثابت أن في الدعوة سعيا الى إنقاذ أطراف من العائلة الديمقراطية أولها الشاهد نفسه: ديكور في البرلمان الشاهد خسر رهانه الأول المهم وهو رئاسة الجمهورية. لكنه بات مهددا في مستقبله السياسي كله وحتى في حريته. إذ بالإمكان البحث في الملفات وتوريطه عدليا. هنا لا نتحدث عن الجرائم الثابتة. بل عن مجرد شبهة أو حتى تهمة كيدية يمكن أن تقود إلى الإيقاف وقضاء ما تيسر من الأيام وربما الأشهر في سجن الإيقاف حتى تثبت البراءة. الشاهد هو رئيس «تحيا تونس» الذي يصيبه حتما ما يصيب زعيمه. وعليه فإنه مهدد مثله في مستقبله. وقد يكون في أحسن الحالات مجرد ديكور في البرلمان بعد أن حلم بتسيده. قد يكون مصير «تحيا تونس» مهما تهاوت أسهمه أفضل حالا من بقية الأحزاب التي تصف نفسها ب»الديمقراطية». فأحزاب نداء تونس وآفاق تونس ومشروع تونس والوطن الجديد فشلت في مراهنتها على الزبيدي، وبقية الأحزاب مثل أمل تونس وبني وطني والبديل فشلت في المراهنة على أبنائها (اللومي والعايدي وجمعة)... وحده «قلب تونس» نجا مبدئيا من الكارثة بترشح رئيسه نبيل القروي إلى الدورة الثانية من الرئاسية. ولكن ما دخل الزبيدي في الإنقاذ وهو المترشح المستقل الذي تم جره جرا إلى عالم لا يستهويه؟ الحل الأنفع الزبيدي فعلا مرشح مستقل. ولكنه كان مدعوما من حزبي نداء تونس وآفاق تونس قبل أن يلحق بهما حزبا الوطن الجديد وحركة المشروع بانسحاب مرشحيهما سليم الرياحي ومحسن مرزوق في الثواني الآخيرة. بهذا يصبح المرشح الذي حل رابعا أقوى همزة وصل بين أربعة أطراف من العائلة الديمقراطية المشتتة والمتناحرة في ما بينها. كما أنه أحد أبرز المقربين من الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي صاحب مشروع التجميع قبل نحو سبع سنوات بالإضافة إلى التبجيل والاحترام والتقدير التي يحظى بها لدى الديمقراطيين غير المتحزبين، ولو عنّ له أن يقتدي بالباجي في التجميع فإنه قد ينجح على الأقل في إذابة الجليد بين أبناء العائلة الديمقراطية المفككة وتمكينها من أجنحة تحلق بها في التشريعية القادمة. بلغة المنطق يبدو التجميع صعبا حتى لا نقول مستحيلا. فهو يتطلب أن يغفر حافظ ليوسف «إساءاته» وأن يغض الرياحي طرفه عما فعله به الشاهد وأن يحضن مرزوق قايد السبسي الإبن دون ضغينة… لكنه في النهاية الحل الأنسب والوحيد لإنقاذ هذه الأطراف كلها وتحويل ضعفها الواضح إلى قوة قد تكون ساحقة بالنظر إلى تراجع أسهم حركة النهضة وتشتت المشهد النيابي المنتظر. الشاهد يرد على العرض قلنا إن الطرف الذي نجا من كارثة الرئاسية وقد يحقق نتائج جيدة تشريعيا هو «قلب تونس» تبعا لمرور مرشحه القروي إلى الدور الثاني من الرئاسية. لكن هناك عائقان يحدان من طموح الحزب ومرشحه. فالقروي لا يضمن فوزه على سعيد حتى يتربع على كرسي رئاسة الجمهورية، وحظوظ الحزب لا ترتقي إلى مستوى تحقيق الفوز والأغلبية في التشريعية حتى يشكل حكومة. الإثنان يحتاجان إلى دفع خارجي قد يكون أفضله وأروعه وأنجعه ذلك الذي يأتي من الأقارب أي من داخل العائلة الديمقراطية لهذا لم يتأخر القروي عن إلقاء الكرة في شباك خصمه اللدود يوسف الشاهد طالبا منه أن يبين موقفه من الدورة الثانية ومدى استعداده لدعمه أو مناصرة خصمه سعيد. هو العرض الأول في الصفقة، تلاه رد من الشاهد بوساطة من الزبيدي وإن لم يذكر فيرده القروي ولا حزبه باسميهما. ولكن هل بالإمكان الجمع بين النقيضين بعدما عمل الشاهد كل ما في وسعه لإقصاء القروي قانونيا من المنافسة وبعد أن بات جميع «القرويين» يقسمون على أن يوسف كاد لمرشحهم حتى يدخله السجن ويضعف حظوظه في الرئاسية؟. صفقة موجعة «هذه ليست إلا مقدمة صفقة بين الشاهد والقروي. وأعتقد أن القروي لن يغادر السجن إلا إذا قبل بها. سيكون هناك دعم (...) للقروي في الرئاسية إذا قبل بالصفقة، وغادر السجن، وخاض الدور الثاني بصفة طبيعية». هذه بعض ما خطه القيادي المستقيل من «الحراك» عدنان منصر. قد تبدو الصفقة موجعة للطرفين لأنها تقتضي أن يضع الواحد منهما يده في يد عدوه. ولكنها الحل الأمثل للطرفين بصفة خاصة والعائلة الديمقراطية بصفة عامة: أما القروي فيضاعف حظوظه في سعيه إلى رئاسة الجمهورية، وأما الشاهد فيضمن على الأقل حليفا جديدا بعد طي صفحة الماضي وعدم النبش في التهم، وأما العائلة الديمقراطية فتكتسب حظوظا وافرة للجمع بين رئاسة الجمهورية (القروي) ورئاسة الحكومة (يمكن أن يكون الشاهد) وحتى رئاسة البرلمان بعد سحب البساط من تحت قدمي رئيس النهضة راشد الغنوشي. ولكن أي ضمانات لهذه الصفقة؟ ألا يمكن للقروي أن ينقلب على الشاهد ويعود لتصفية الحسابات معه بمجرد أن يشارك في دفعه نحو رئاسة الجمهورية؟ «قد يكون لاتحاد الشغل دوره كضامن لاتفاق كهذا. كل شيء يصبح بعد ذلك ممكنا بالنسبة للشاهد» هذا رأي عدنان منصر. ولكن الرأي عندنا أن تتدخل أطراف خارجية لتعزيز الضمانات. فرضية تقاسم السلطة يمكن من باب الفرضيات أن يفوز القروي بالانتخابات الرئاسية عندما تسانده العائلة الديمقراطية كلها. ويمكن في الآن ذاته تحقيق أغلبية برلمانية من أحزاب العائلة الديمقراطية الممثلة في البرلمان فيكلف القروي أحدها بتشكيل الحكومة. وقد يتم ترشيح الشاهد لرئاستها في إطار الصفقة. حتى لو آل الفوز بالتشريعية الى طرف آخر كالنهضة مثلا فإن كتلة الديمقراطيين قد تحول دون مساعدته على تشكيل حكومة قوية فيتدخل رئيس الجمهورية في إطار صلاحياته ليكلف الشخصية التي يراها مناسبة بتشكيل الحكومة. ومن الممكن أن يكلف الشاهد في إطار الصفقة. حتى لو فاز سعيد بالرئاسة فإن توفق «الديمقراطيين» لتكوين كتلة برلمانية قوية سيفرز عراكا سياسيا بين الطرفين قد يفكر فيه الأول في حل البرلمان. وتعمل فيه الثانية على عزل الأول. وفي هذه الحرب من الممكن جدا أن تكون الغلبة للطرف الأقوى برلمانيا فيكون عزل الرئيس.