عندما نتحدث عن السنة الهجرية لا بد أن ننطلق مباشرة من الدين الاسلامي الحنيف الذي جاء به محمد بن عبد الله بن عبد المطلب النبي الرسول الأمين قلبه القرآن وروحه القرآن ووجوده السنة النبوية والقيم والأخلاق الحميدة وسعادة الانسان في دنياه وآخرته معا. ذلك الذي انبثق بمكّة أمّ القرى، وشبّ هنا وترعرع وانتشر هناك بالمدينة المنورة، فأضاء الدنيا وملأ الآفاق نورا وجمالا أبهر القلوب وسحرها، وملك النفوس وشدّ إليه الألباب هداها إلى الحقّ الخير والحبّ والجمال. وكل ذلك بفضل ذي العزّة والجلال وجهاد رسوله ونبيّه الخاتم (صلّى الله عليه وسلم) محمد بن عبد الله بن عبد المطلب سيد قريش وكبيرها. جاء يدعو قومه إلى عبادة إله واحد أحد خالق كلّ شيء، ونبذ عبادة الأوثان والشرك والبهتان، وتلاوة القرآن وتقديس الرحمان والطاعة والاذعان.. هذا ما ينبغي أن يكون لكنهم امتنعوا وثارت ثائرتهم وتجمعوا في كفرهم ووقفوا سدّا منيعا.. كيف نترك آلهتنا وآلهة آبائنا وأجدادنا. هُبل، وعزّه، ويعوق ونسرا.. و.. وهذا لن يكون واقبلوا ساعين جهدهم لقتل رسوله الله والفتك والبطش بأصحابه وكل المسلمين وفتحوها حربا مصيرية بين وجود كافر مأفون يكره النّور وبين المؤمنين عباد الرحمان. وشاء ربّك أن ينتصر الدّين الاسلامي الحنيف ويتمّ نوره ولو كره الكافرون، وعلى يد من؟ على يد محمد رسول الله النبي الأمّي الكريم قائلا: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تولّوا فقل حسبي الله عليه توكلت وهو ربّ العرش العظيم» صدق الله العظيم.. ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وكان الصراع على أشده بين سادة قريش ومحمد رسول الله كل يناصر دينه ومعتقده. وذاق محمد رسول الله وأصحابه من كفّار قريش العذاب ألوانا فمنهم بلال الحبشيّ الذي رموا به في الرّمضاء وفوق صدره صخرة صماء ومنعوا عنه الشراب والغذاء، وصهيب، وعمار بن ياسر الذي عذّبوا أمّه ونالوا منه، وقتلوا أباه ثم طعنوا أمه أمامه في جسدها وهي تذكر اللّه وكثير هم الذين عذبوا وقتلوا ولو أردت ذكرهم كلّهم لحبّرت الصفحات وما انتهيت.. إلا أني أقول محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه وصبروا وصابروا فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا.. وبقيت قولة محمد رسول الله تشقّ أجواز الفضاء خالدة حتى يوم القيامة وعاش بها ومات لها وهي «واللّه يا عم لو وضعوا الشمس عن يميني والقمر عن يساري على أن أترك هذا الدّين ما تركته حتى ينتشر أو أموت دونه» فما أروعك وما أروعك يا محمد فأنت بحق خير الناس جميعا وأصدقهم وأحبّهم إلى اللّه. ويستمر وأصحابه رغم الدّاء والأعداء وفقدان النّصير فلا خديجة بنت خويلد تشد أزرهم ومخفف عنه البلاد، ولا جدّه عبد المطلب يحميه ولا عمّه أبو طالب يذود عنه ويبذل له العون والأمن والأمان إنه في حماية ربّ حفيظ، متين، خالق الإنسان من طيب ثم من ماء مهين، وهذا حسبه، ونعم الوكيل، وبهذا الإيمان الباهر الساطع جعله ينتصر ويحقق لهذا الدين الجديد الظهور والانتشار والتّمكين بمكّة، وأبعد فأبعد وانصاع له الثقلان، وحتى الحيوانات والحشرات انطلاقا من تلك التي قرضت الصحيفة المشؤومة التي علّقها كفار قريش على ظهر الكعبة فقرضتها ولم يبق منها إلا «اللّهم».. وكانت الهجرة قدرا مقدورا، وأمرا مفعولا أن يكبر ويترعرع بالمدنية المنورة، مدينة الرسول محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) الذي جاء إليها من مكةمسقط رأسه الذي أحبها حبّا جمّا.. وما فتئ يقضّ مضجعه وهو بين الأنصار بالمدينة يبذلون له النفس والنفيس وللمهاجرين العطاء السخي والأخوة والإيثار. رغم كل هذا لم ينسها وما قلاها.. وإنك لعلى خلق عظيم.. فدخلها في المرة الأولى حاجّا وزائرا فما لقي من كفّار قريش بني عمومته إلا الحقد والصّد والجفاء... وسرعان ما عاد إليها ففتحها وانتصر وعفا عن كل الذين ناصبوه الكراهية وسعوا لقتله وعذّبوا أصحابه ونكّلوا بهم تناسى كل ذلك لمرضاة الله ونفسه الرفيعة وقلبه الحنون وقال لأولئك الأسرى الذين لم يروا شيئا في تلك الساعة إلا الموت المحتوم ولكنه ابتسم في وجوههم بكل حنان قائلا: «ما تراني فاعل بكم الآن؟ ألا فاذهبوا فأنتم الطلقاء!». فقالوا: «أخ كريم وابن أخ كريم.. وقضى ربّك عز وجل أن ينتصر الدين الاسلامي ويشع بقرآنه المعجز المنير وسنة رسوله الهادي البشير على الدنيا قاطبة. وفي صورة «النجم» تتوضع حكمة ذلك في قوله تعالى: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه، سوف يُرى﴾ صدق الله العظيم. بقلم: البشير التغنوتي (تونس)