حث الله تعالى عباده على ضرورة بذل الجهد والاخذ بالاسباب لتحصيل الرزق وطمأنهم على انه ضامن لاقواتهم وموفر لحاجاتهم فقال تعالى ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: 6] والسَّعْيَ في طلبِ الرِّزقِ للقيام بواجباتِ النفسِ والأهلِ والعِيَالِ من أفضلِ الأعمالِ الصالحةِ وأجلِّ الخِصال، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]، وقال تعالى ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [المزمل: 20]، قال ابنُ جرير: (قَدْ سَافَرُوا لِطَلَبِ الْمَعَاشِ). و(عَنْ حَبَّةَ وسَوَاءٍ ابْنَيْ خالدٍ قالا: دخَلْنَا على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهُوَ يُعَالِجُ شَيْئاً، فأعنَّاهُ عليهِ، فقالَ: «لا تَيْأَسَا منَ الرِّزْقِ ما تَهَزَّزَتْ رُؤوسُكُمَا، فإنَّ الإنسانَ تَلِدُهُ أُمُّهُ أَحْمَرَ، ليسَ عليهِ قِشْرٌ، ثمَّ يَرْزُقُهُ اللهُ عزَّ وجَلَّ « . وعن كعبِ بنِ عُجْرَةَ قالَ: مَرَّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رَجُلٌ، فرأَى أصحابُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنْ جَلَدِهِ ونَشاطهِ ما أعجَبَهُمْ، فقالُوا: يا رسولَ اللهِ لوْ كانَ هذا في سبيلِ اللهِ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «إنْ كانَ خَرَجَ يَسْعَى على وَلَدِهِ صِغَاراً فهُوَ في سبيلِ اللهِ، وإنْ خَرَجَ يَسْعَى على أبَوَيْنِ شَيخينِ كبيرينِ فهوَ في سبيلِ اللهِ، وإنْ كانَ يَسْعَى على نفْسِهِ يَعِفُّها فهوَ في سبيلِ اللهِ، وإنْ كانَ خَرَجَ رِياءً وتَفَاخُراً فهوَ في سبيلِ الشيطانِ») رواه الطبرانيُّ. وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (ما أَكَلَ أحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيراً منْ أنْ يَأْكُلَ منْ عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبيَّ اللهِ داوُدَ عليهِ السلامُ كانَ يَأْكُلُ منْ عَمَلِ يَدِهِ) رواه الإمام البخاري رحمه الله. قال ابنُ حَجَر: (في الحدِيثِ فَضْلُ العَمَلِ باليَدِ، وتقديمُ ما يُباشِرُهُ الشخصُ بنفْسِهِ على ما يُباشِرُهُ بغيرِهِ، والحكمةُ في تخصيصِ داوُدَ عليهِ السلامُ بالذِّكْرِ: أنَّ اقْتِصارَهُ في أَكْلِهِ على ما يَعْمَلُهُ بيدهِ لمْ يَكُنْ من الحاجةِ، لأنهُ كانَ خليفَةً في الأرضِ). وعن أبي هُريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: «ما بَعَثَ اللهُ نبيَّاً إلاَّ رَعَى الغَنَمَ»، فقالَ أصحابُهُ: وأنتَ؟ فقالَ: «نَعَمْ، كُنتُ أَرْعاها على قَرَارِيطَ لأَهلِ مكَّةَ» رواه البخاريُّ. فعلى المسلمُ أنْ يحْرِصَ على الكسبِ الحلالِ، وأنْ يحذرَ من الكسبِ الحرامِ. ومن بركات العمل الصالح للمؤمن أنه كلما ازداد عملاً نال به عند الله تعالى درجة ورفعة، قال صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة)، وأنه كلما أنفق نفقة يحتسبها حتى وإن كانت واجبة عليه فإنها تكون له صدقة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها فهي له صدقة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في امرأتك)، وأنه إذا مرض أو شغل كتب له عمله كاملاً، لما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل مثل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم)، وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض المؤمن قالت الملائكة يا ربنا عبدك فلان قد حبسته فيقول الرب عز وجل: اختموا على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت) .