ارتفعت في الأيام الأخيرة وتيرة الجهود التي تبذلها مختلف الأطراف لإيجاد مخرج من مأزق الانتخابات الرئاسية وسط تساؤلات عن مدى قدرة هذه الأطراف على التوصل إلى حل يُوفّق بين الجهود السياسية والاكراهات الدستورية والقانونية والقضائية. تونس – الشروق – كشفت التطورات الأخيرة للمسار الانتخابي أن وضعية الانتخابات الرئاسية أصبحت تستدعي تضافر الحلول السياسية والقانونية والواقعية لضمان استكمال المسار الانتخابي وللتوقي من أسوإ السيناريوهات. ويدور منذ أيام الحديث عن بوادر فتح حوار وطني جديد بين مختلف الأطراف حول هذا المأزق السياسي على غرار الحوار الوطني سنتي 2013 و2014 الذي توصل إلى حلحلة الازمة السياسية القوية التي كانت قائمة آنذاك. فهل يمكن اليوم تكرار السيناريو نفسه خاصة في ظل وجود اكراهات قانونية ودستورية وقضائية بالنسبة للمأزق الحالي المتعلق بالانتخابات الرئاسية؟ حوار وطني جديد وكان رئيس الجمهورية محمد الناصر قد بادر بدعوة رؤساء المنظمات الوطنية (اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف واتحاد الفلاحين) الى التباحث معها حول إنجاح المسار الانتخابي. كما اجتمع للغرض نفسه مع رئيس هيئة الانتخابات نبيل بافون الذي أعلن بدوره أن الهيئة بصدد بذل جهود كبيرة لمواصلة إنجاح الانتخابات الرئاسية، علما ان بافون التقى بدوره أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي . وأول أمس التأم بمقر اتحاد الشغل اجتماع للغرض ضم رباعي الحوار الوطني المتكون من نور الدين الطبوبي أمين عام الاتحاد وسمير ماجول رئيس منظمة الأعراف وابراهيم بودربالة رئيس الهيئة الوطنية للمحامين وجمال مسلم رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان. وتم خلال اللقاء تدارس الوضع الصعب الذي تمر به البلاد والنظر في سبل إنجاح المسار الانتخابي وتخليصه من كل الشوائب. وقد أكد الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي في تصريح إعلامي أن لقاء ثانيا سيجمع يوم الثلاثاء القادم 8 أكتوبر 2019، مكونات «الرباعي « للغرض نفسه معتبرا أن هذه المؤسسة مازالت على ذمة البلاد لتفادي كل ما من شأنه تعطيل الاقتصاد والحركية العامة في البلاد ملمّحا إلى ما يجري هذه الأيام من تعقيدات في ملف الانتخابات الرئاسية. وقال إن الرباعي سيكون على ذمة السياسيين وخاصة على ذمة التوافقات التي سيتوصلون إليها. وإنه سيدفع نحو بلوغ أقصى ما يمكن من توافق بينهم. إكراهات قانونية وقضائية تختلف وضعية مأزق الانتخابات الرئاسية عن الوضعية التي توصل الحوار الوطني الى حلحلتها سنة 2013. فالأمر يتعلق هذه المرة بانتخابات ينظمها القانون والدستور. وتشرف عليها هيئة مستقلة ووقع قطع شوط منها (الدور الأول). وتعلق المشكل بالدور الثاني الذي لم ينتظم بعدُ. وسبب المشكل هو وجود أحد المترشحين الاثنين للدور الثاني (نبيل القروي) في السجن وتذمره من الاخلال بمبدإ تكافؤ الفرص في الحملة الانتخابية وما قد يرافق ذلك من فرضية الطعن من قبله في سلامة الانتخابات وبالتالي إمكانية إبطالها والعودة الى النقطة الصفر خصوصا أن الدستور والقانون لم يتعرضا الى هذه الفرضية. ولا توجد محكمة دستورية لحسم الأمر. وهذا المشكل يرتبط بدوره بالسلطة القضائية التي رفضت الإفراج عن نبيل القروي للقيام بحملته الانتخابية وبالتالي فإنه لا يمكن لأي حل سياسي أو حل في إطار الحوار الوطني يقع التوصل إليه أن يتجاوز ما يقرره القضاء بالنظر الى استقلالية السلطة القضائية.. كما ترتبط بذلك عدة سيناريوهات أخرى على غرار تجاوز القائم بمهام رئيس الجمهورية محمد الناصر للفترة الدستورية ( 90 يوما) في صورة إبطال الانتخابات الرئاسية وإعادة تنظيمها. وهي أيضا فرضية لم يتعرض لها لا الدستور ولا القانون. ويمكن لأي كان أن يطعن في مواصلة محمد الناصر مهامه بعد الفترة الدستورية المذكورة.. حلول .. لكن يقترح المختصون بعض الحلول القانونية والدستورية التي يمكن ملاءمتها مع التوافقات السياسية في إطار حوار وطني وذلك لحل الإشكالات القائمة. فأستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ قال أمس في تصريح ل»الشروق» إن هيئة الانتخابات يمكنها الاستناد إلى الدستور لاتخاذ قرار في إعادة الانتخابات. ويقترح محفوظ للغرض تفعيل الفقرة الثالثة من الفصل 75 من الدستور واعتماد القياس. وتنص هذه الفقرة على أنه «إذا توفي أحد المترشحين في الدورة الأولى أو أحد المترشحين لدورة الإعادة يعاد فتح باب الترشح وتحديد المواعيد الانتخابية من جديد في أجل لا يتجاوز 45 يوما». ووضح بالقول إنه يمكن بالقياس على هذا الفصل اعتبار حالة سجن القروي واستحالة خروجه من السجن بمثابة حالة الوفاة وتوجب بالتالي إعادة تنظيم الانتخابات الرئاسية وللهيئة اتخاذ قرار في ذلك.. كما دعا شق آخر من المختصين الى إمكانية تفعيل الفقرة الرابعة من هذا الفصل ( 75) والتي جاء فيها أنه «إذا تعذر إجراء الانتخابات في موعده بسبب خطر داهم فإن المدة الرئاسية تُمدد بقانون». وبالتالي يمكن أن يلتئم مجلس النواب. ويمدد المدة الرئاسية لمحمد الناصر بقانون ( لان هذا الفصل لم يميز بين المدة الرئاسية للرئيس المنتخب او للقائم بمهام رئيس الجمهورية). ثم يقع تنظيم انتخابات من جديد غير ان هذه الحلول يعتبرها البعض سيناريو خطيرا بالنظر إلى ما قد تترتب عنه من تقلبات وتجاذبات سياسية إضافية تزيد في تعطيل دواليب الدولة وفي ارباك الاقتصاد وتمس من صورة تونس في الخارج.. الطبوبي والمباركي: الاتحاد ورباعي الحوار على ذمة البلاد للخروج من المأزق أكد أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي على دور الاتحاد في حماية البلاد من المخاطر وحماية مستقبلها ومستقبل أبنائها وأن الاتحاد لن يبقى مكتوف الأيدي داعيا الأحزاب « الكبرى» إلى تحمل مسؤولياتها في الغرض خاصة المسؤولية الأخلاقية والتاريخية تجاه البلاد. ومن جهته ذكر الأمين العام المساعد نور الدين المباركي في تصريح للشقيقة «الانوار» أن البلاد تعيش حالة ارباك خطيرة في خضم عديد السناريوهات الخطيرة المحتملة سواء وقع إتمام الانتخابات ام ابطالها. وأضاف انه في حال تدرج البلاد نحو مأزق حقيقي فإن الاتحاد سيضطلع بدوره الوطني في الدفاع عن ديمومة الدولة والبناء الديمقراطي وان القوى الوطنية مدعوة الى الاضطلاع بدورها التعديلي للحفاظ على ديمومة الدولة والمشروع الديمقراطي خاصة في حال افراز الانتخابات نتائج تضع البلاد في مأزق. وأكد المباركي انه بالإمكان التوصل إلى حل سياسي. لكن في كنف القانون واحترام القضاء. حوار 2013 .. ليس حوار 2019 خلال التوافق على حوار وطني سنة 2013 لحلحلة الازمة السياسية القائمة، لم تكن هناك اكراهات قانونية ودستورية تعطل التوصل الى حلول. فالامر كان يتعلق آنذاك بوضع حد للسلطة المؤقتة القائمة والإسراع بانهاء كتابة الدستور واصداره وتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية. وهي مطالب وقع التوصل الى حلها بسهولة لان القانون (أمر بدعوة الناخين الى انتخابات المجلس التأسيسي) حدد مدة عمل هذا المجلس أي كتابة الدستور ومن ورائه بقية السلطات (الحكومة ورئيس الجمهورية المؤقت ) بسنة واحدة. وبالتالي وقع التوصل الى توافقات آنذاك مع حكومة علي العريض ومع المجلس التأسيسي لانهاء الفترة الانتقالية ثم لاحداث حكومة تتولى تنظيم الانتخابات موفى سنة 2014 (حكومة مهدي جمعة). والتزمت هذه الحكومة بعدم الترشح للانتخابات.. غير ان الوضع يختلف هذه المرة بالنظر الى وجود تداخل بين المسائل السياسية والمسائل القضائية والقانونية والدستورية في ما يتعلق بقضية المترشح نبيل القروي الموقوف داخل السجن بقرار قضائي. لكن مع عدم صدور حكم نهائي وبات يمنعه من المشاركة في الانتخابات وفقا لمبدإ « المتهم بريء إلى ان تثبت إدانته». لكن توجد إكراهات أخرى مسلطة على هيئة الانتخابات. وهي ضرورة ضمان مبادئ الشفافية والنزاهة في الانتخابات والتي كثر عنها الكلام في الآونة الأخيرة. ولا يُعرف كيف ستتصرف الهيئة تجاهها..