بالعودة الى 8 سنوات الى الوراء، لم يكن قيس سعيد حسب مواقفه الرسمية معنيا برئاسة الجمهورية ، ورافقت مواقفه المعلنة تصريحات اعتبرت السلطة بلاء وابتلاء ورفض قطعيا لإيهام الناس وللترشح للانتخابات الرئاسية قبل الفوز في غمار منافستها أمس وفق التقديرات الاولية التي قدمتها مؤسسات سبر الآراء. تونس-الشروق وفي سنة 2014 وأمام المخاض السياسي العسير الذي عرفته البلاد، طُرح اسم قيس سعيد في الكواليس السياسية كمرشح توافقي للانتخابات الرئاسية، وذلك نتيجة لما يحظى به الرجل من احترام واسع لمكانته العلمية والاكاديمية من جهة، ومن تعاطف الشرائح الشعبية معه من جهة ثانية لكونه شخصية عرفت بابتعادها عن المنظومة السياسية وبدقتها في الطروحات القانونية التي استوجبتها المرحلة. وارتفعت اسهم قيس سعيد في الاوساط الشعبية قياسا بالعديد من المواقف التي عبر عنها بغض النظر عن تصنيف مدلولاتها، من ذلك توصيفه للنظام السياسي في تونس واعتباره نظام مختلط يغلب عليه طابع النظام البرلماني ذو الاختصاصات المحدودة لرئيس الجمهورية ،ورفضه سابقا الترشح وقوله بأن القضية قضية مشروع وليست قضية مناصب، وأنه غير مستعد لإيهام الناس بتحمل المسؤولية في ظل هذه الاوضاع. واقترابا مع المواعيد الانتخابية وقياسا بتصاعد اسهمه في نتائج سبر الآراء صرّح قيس سعيد بأن انتخابات 2019 ستكون موعد الحسم ''الدولة العميقة'' و''الثوريين'' قبل أن يتقدم بشكل رسمي لخوض المنافسة الرئاسية في دورها الاول والتي تصدر نتائجها. قيس سعيد هو متحصل على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام من كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس 1985، وديبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري تونس 1986، وبدأ مساره المهني بالتدريس صلب كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بسوسة 1986-199، وبكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس منذ 1999. وشغل خطة مدير قسم القانون العام بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بسوسة 1994-1999، وعضو فريق خبراء الأمانة العامة لجامعة الدول العربية المكلف بإعداد مشروع لتعديل ميثاق جامعة الدول العربية 1989-1990. يلقب قيس سعيد لدى انصاره وخاصة منهم طلبته بالأستاذ الذي كرس حياته لمهنته، ومن الحارصين على الظهور في صورة الانسان المستقيم والصارم الذي نادرا ما تعبر تقاسيم وجهه عن مشاعر فرح او غضب ،وهو متزوج من القاضية اشراف شبيل التي انجب منها بنتان وولد. الأستاذ الجامعي الذي عرفه التونسيون بعد الثورة كمحلل يجيد تأويل القانون الدستوري بلغته العربية الفصيحة اعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية قائلا المسؤولية هما وغما وابتلاء وانه سيتحملها من باب الشعور بالواجب، وخاض حملة انتخابية اقل من عادية من حيث الظهور الاعلامي والانشطة، و وصفها بالحملة التفسيرية التي قادها متطوعون للتفاعل مع مشاغل المواطنين، حيث تمركزت حملته الانتخابية في مكتب متواضع وسط العاصمة، ليتصدر اثرها صدارة النتائج بنسبة 18.4 بالمائة في الدور الاول. وأثار سعيّد جدلا واسعا لقلة المعلومات المتوفرة حوله وحول طبيعة حملته الانتخابية، حيث اعتبره البعض يساريا وصنفه آخرون بالمحافظ. وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي العديد من مقاطع الفيديو التي تظهر بعض التوجهات والأفكار للرجل الذي يدافع بشدة على لامركزية القرار السياسي وضرورة توزيع السلطة على الجهات. وقبل خوض الدور الثاني للانتخابات الرئاسية عبرت تشكيلات سياسية واسعة عن دعمها لقيس سعيد في الدور الثاني من بينها حركة النهضة، فشارك في عدد من الحوارات الصحفية في وسائل اعلام اجنبية ،قبل اعلانه وقف الحملة الى حين خروج منافسه نبيل القروي من السجن الذي خاض معه تجربة المناظرة الرئاسية وذلك قبل الفوز عليه بفارق كبير يوم أمس. ما هو مشروع قيس سعيد؟ يرتكز مشروع سعيد على لامركزية القرار السياسي وتوزيع السلطة على الجهات، ولا يتضمن تفاصيل تبلور رؤيته لحل المشاكل (وفق ماهو معلن الى حد الآن ) ، ويؤكد قيس سعيد في كل الاحاديث الصحفية وأثناء حملته الانتخابية التفسيرية أنه لا يمتلك برنامجا انتخابيا بالمعنى الكلاسيكي الذي يسوق الاوهام والاحلام الكاذبة والوعود الزائفة ،معتبرا أنه يقدم افكار وتصورات يستشير فيها الشعب لتنفيذها على أرض الواقع بأسس جديدة يطلق عليها توصيف التأسيس الجديد. قيس سعيد يتعاطى مع مسألة التوازنات السياسية في البرلمان ودورها في معاضدة افكاره وتصوراته بمنطق المسؤولية الجماعية ،حيث انه في كل المرات التي يسأل فيها بشأن فرضية اعراض البرلمان عما يقدمه من تصورات تكون اجابته بأن الرافضين سيتحملون مسؤولياتهم السياسية. مايقدمه قيس سعيد من تصورات وافكاره ،ويمكن توصيفه بالبرنامج أو المشروع يلخصه شعار حملته الانتخابية ''الشعب يريد''، حيث يرتكز على المحلي نحو المركزي مقترحا إنشاء مجالس محلية بحساب نائب عن كل عمادة، لكن لا يتم قبول الترشح إلا بعد أن تتم تزكيته من قبل عدد من الناخبين والناخبات مناصفة، ويتم الاقتراع على دورتين إلى جانب من يمثل الأشخاص ذوي الإعاقة وإلى جانب ممثلين عن المجتمع المدني، وأن يكون ربع المترشحين من العاطلين عن العمل، و أن يتولى المجلس المحلي وضع مشروع التنمية في مستوى الجهة، أي أن الإرادة تنبع من الناخبين، فوكالة النواب هنا قابلة للسحب إن لم يكن النائب في مستوى ثقة ناخبيه فضلا عن اصلاحات دستورية اهمها احداث مجلس اعلى للتربية والتعليم ليكونا مؤسستان دستوريتان. اما بخصوص العلاقات الخارجية يطرح قيس سعيد ان تكون السياسة الخارجية في سياق الامتداد الطبيعي لتونس في محيطها الطبيعي مع الدول العربية وأوروبا مع بناء علاقات جديدة قائمة على الاحترام المتبادل والتعايش بين الشعوب.