بكل تأكيد يشكّل تنصيب الرئيس المنتخب اليوم محطة هامة في تاريخ تونس والمنطقة العربية، ذلك أن السيد قيس سعيّد فاز بمنصب رئيس الدولة إثر انتخابات شهد الجميع بشفافيتها ونزاهتها لتكون أفضل تكريس لمبدإ التداول السلمي على السلطة... وهي الخطوة التي تعدّ التتويج الطبيعي لمسار ديمقراطي مثمر. لكن جملة الرهانات والتحديات التي تنتظر الرئيس المنتخب ومن ورائه كل البلاد لا تتيح مجالا كبيرا للاحتفال، ذلك أنه سوف يكون مطلوبا من رئيس الدولة ومن فريقه الانطلاق مباشرة في العمل وفي تهيئة الظروف الملائمة لتشكيل حكومة جديدة في أقرب الآجال والانطلاق في مباشرة الملفات الشائكة والحارقة التي تراكمت وأصبحت تشكّل تهديدا جدّيا للدولة. فاقتصاد البلاد يقبع على حافة الانهيار... وكل المؤشرات الاقتصادية تفيد بتقلّص هوامش المناورة الى أدنى معدلاتها والبطالة مازالت تضرب قسما هاما من التونسيين والتونسيات وتحرمهم من حقهم الطبيعي في الحصول على مقوّمات العيش الكريم، والفقر والتهميش يضربان شرائح هامة من الشعب التونسي وسقف الانتظارات ارتفع بشكل غير مسبوق تجلّى من خلال الهبّة لانتخاب رئيس الدولة مع أن النظام السياسي القائم لا يتيح مجالات مناورة كبرى أمام ساكن قرطاج. لذلك سيكون مطلوبا من حكام تونس الجدد من رئيس الدولة الى رئيس الحكومة (إن تشكّلت) الى البرلمان أن يدركوا منذ البداية أنه لا مجال للانخراط في معارك تنازع السلط والصلاحيات وأنه سيكون عليهم الارتقاء عن حسابات المواقع والمصالح ومحاولة تسجيل النقاط والسعي الى وضع البرامج والرؤى والاستراتيجيات الكفيلة بتجميع كل الجهود والطاقات والإرادات وتوظيفها لخدمة مصالح البلاد وانتظارات العباد وقد باتت معلومة للجميع. إذن، المطلوب في بلادنا في هذه اللحظات التاريخية الحاسمة هو تحويل هذا النجاح في إنجاز التحوّل السياسي والديمقراطي الى نجاح اقتصادي واجتماعي، وملايين المواطنين والشباب الذين منحوا أصواتهم لرئيس الدولة باتوا يشكلون قوة دفع لا يُستهان بها، إذا ما تمّ توظيفها بالشكل الصحيح وإذا ما تمّ توجيه طاقاتها المبدعة والخلاّقة نحو إنجاز ما ينفع الناس ونحو ردّ الاعتبار لقيم في قداسة العمل وتكريس علوية القانون وردّ الاعتبار لهيبة الدولة... وكل هذه أساسيات مطلوب البناء عليها في أية مشاريع مستقبلية للبلاد. هل يقفز المسؤولون الجدد على حواجز وحتى على «ألغام» النظام السياسي ليلتقوا ويتكاتفوا حول مهمة إنقاذ البلاد من حافة الهاوية وتوظيف النجاحات التي تحقّقت على الصعيد السياسي وعلى صعيد الانتقال الديمقراطي في سبيل إنجاز مشروع إنقاذ وطني في أقصر وقت وبأقل التضحيات؟ يبقى الأمل قائما في رؤية الطرف الاقتصادي والاجتماعي للمعادلة يتحقق تماما كما تحقّق الشقّ السياسي.