حث الإسلام على النظافة وجعلها أساس كل عبادة ، وليس هناك من دين أو قانون أو نظام حث أهله على النظافة كدين السلام . وإن العلامات الدالة على نظافة هذا الدين وأمره بالنظافة حسا ومعنى تشريعاته الحكيمة ومثله الرشيدة، وأحكامه العادلة. وأول علامة من علامات النظافة التي يدعو الشرع الحنيف إلى امتثالها وتطبيقاتها مشروعية الصلاة، فإن أول ما يفرض لإقامتها الوضوء خمس مرات على عدد خمسة أوقات ما لم تحدت ما يوجب الوضوء وتلك العلامة من أسمى علامات النظافة. ومن علامات النظافة مع فريضة الصلاة أن لا يقربها المصلي جنبا، وأن يخلي بينه وبين كل ما يبعث على تقزز وكراهة من طعام أو شراب كأكل البصل وما في عداده من البقول. كالثوم والكراث وما أشبههما. وهذا كله في مجال النظافة مع ما لله من الحقوق المفروضة في جانب المحسوسات. اما اذا فتشنا في عق مفهوم النظافة مع الله في جانب المعنويات وجدنا أمرا عجبا لا يتسم به سوى الإسلام. فمثلا طلب الإسلام من المسلم في صيامه أن يكون نظيفا في مظهره ومخبره، حيث حرم على الصائم الشتم والسباب وخلق النميمة، وفي ذلك نظافة معنوية ترقى بالمسلم درجات عليا في معاده ومعاشه، ومعلوم أن هذه الخلال محرمة في الصيام وفي غير الصيام. وحين فرض الزكاة شرع لها السرية في الإنفاق لتتطهر من الرياء والسمعة، وأباح لإخراجها العلن شحذا لعزائم الأغنياء على الإنفاق. وحين شرع الحج جعل من تمامه تجنب الرفث والفسوق والظلم والعصيان، وهذه القيم كلها ميزان لمعنى النظافة التي حث الشرع الحكيم عليها. وشرع السواك في الصلاة وفي غير الصلاة، وأمر بالمبالغة في المضمضة والاستنشاق للماء من الخيشوم لغير صائم، وختم هذه المعاني السامية والقيم الرفيعة لمفهوم النظافة، ختمها بأن جعل خمسا من الفطرة: نتف شعر الإبط، وحلق العانة، والختان، وقص الشارب، وتقليم الأظفار. قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ﴾ [المائدة: 6] إلى آخر الآية، ويقول في آية أخرى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]. ان المحافظة على النظافة دليل تحضر ووعي. فعلى المسلم أن يكون حريصا على المحافظة على كل ما فيه نفع للمسلمين أفرادا وجماعات. فيعين على نظافة بيته، ونظافة مسجده ومدرسته وطريقه، يغرس شجرته ويميط أذاه، انطلاقا من هدي إسلامي يقول للناس: إماطة الأذى عن الطريق صدقة. إن من زيادة إيمان المسلم وكمال خلقه أن يكون نظيفا في مظهره ومخبره، ولا شك أن نظافة المظهر من أدلة نظافة المخبر الباطن، ونظافة الباطن من الحقد والضغينة والانتقام والتشفي وخلق النميمة والغش والكبر، والتزام الطريق السوي في العمل والتطبيق كل ذلك مما يحبه الله ويرضاه "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم ولكن ينظر بلى قلوبكم التي في صدوركم ولا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء".