انتهى الحديث عن ختم القانون الانتخابي المعدّل بعد وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، وخفت التداول في تفاصيله بعد اجراء الاستحقاقين الانتخابيين دونه، غير أن ولادة البرلمان الجديد المشتت والحديث عن فرضية اعادة الانتخابات التشريعية اعاد الملف الى السجال من جديد، فهل يمكن ختم تعديلات القانون الانتخابي؟ تونس (الشروق) والخبر الرائج في حديث الكواليس السياسية الذي نسوقه بكل تحفظ، يفيد بأنّ جهات سياسية اتصلت برئيس الجمهورية قيس سعيد قصد اقناعه بضرورة ختم تعديلات القانون الانتخابي، وبغض النظر عن صدقية الخبر من عدمها، يبدو من المهم بيان مدى امكانية ختمه من قبل الرئيس الجديد، وكذلك بيان الانعكاسات والاستتبعات المحتملة للمضي في هذا القرار. اختلاف قانوني ومانع اخلاقي ومن الناحية القانونية ثمة اختلاف دستوري بخصوص مآل القانون الانتخابي المعدّل، والذي رفض الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ختمه، حيث يذهب الرأي الاول الى اعتبار مشروع القانون قد استكمل كافة مساراته القانونية من المناقشة في اللجان والمصادقة عليه في الجلسة العامة وصولا الى قضاء الهيئة الوقتية بدستوريته ،وبالتالي فان رفض ختمه يجعله في حكم القانون المعلق مالم يتم الاذن بنشره او رده للبرلمان في الآجال المحددة. فيما يذهب الرأي الثاني في عدم جواز ختمه لاعتبارات تخلط بين القانوني والسياسي والاخلاقي ،وفي هذا السياق اوضحت استاذة القانون الدستوري منى كريّم ان القانون الانتخابي محسوم فيه من الناحية القانونية غير أن الطرح لم يعد ذا معنى وفق المقاربة القانونية الصرفة، فختم القانون بعد شهر أو شهرين ليس فيه أي اشكال قانوني، إلا أن الأمر يختلف سياسيا. وبناء على مواقفه السابقة ،لا يبدو الرئيس الجديد قيس سعيد متماهيا مع فكرة ختم القانون الانتخابي ،سيما وأنه صرّح بتاريخ غرة جويلية الماضي ان تنقيح القانون الانتخابي كان من المفترض ان يتم منذ سنوات وليس الحق للأغلبية الحاكمة القيام بتعديلات على المقاس لافتا الى انه يدعم الطعن في دستوريته ولا يستبعد ان يكون محل صفقة بين الاطراف الحاكمة. فماهي الاستتبعات السياسية لإمكانية المضي في ختم القانون الانتخابي؟ استقرار برلماني بتبعات وخيمة في استقراء مضامين التعديلات الواردة في القانون الانتخابي واسقاطها على النتائج الحاصلة في الانتخابات التشريعية الاخيرة ،يتبين محدودية تأثيرها في مستوى احتساب العتبة المتفق عليها في سقف 3 في المائة حيث انها لن تسقط سوى 7 نواب لتُمنح مقاعدهم الى كل من النهضة و قلب تونس، غير أن باقي الشروط المتعلقة ببطاقة عدد 3 و بالفصل الخاضع للتأويل والذي يهم رفض ترشحات كل من يثبت قيامه بخطاب لا يحترم النظام الديمقراطي ومبادئ الدستور والتداول السلمي على السلطة أو يهدد النظام الجمهوري ودعائم دولة القانون أو يدعو للعنف والتمييز والتباغض بين المواطنين أو يمجد انتهاكات حقوق الانسان من شأنها أن تعيد توزيع المقاعد على ضوء حسابات جديدة تلجم العديد من الترشحات منذ البداية. ولئن تبدو للوهلة الاولى مضامين التعديلات في القانون الانتخابي تُمهد الطريق لبرلمان مستقر نسبيا، فإنها في جوهرها تختزل العديد من المخاطر، فعلاوة على رفض طيف سياسي واسع لها من منطلق تضمنها للإقصاء، فإنها يمكن ان تكون مدخلا للتشكيك في نتائج الانتخابات القادمة في صورة اعادتها، ومن الصعب ان تقبل العديد من الجهات السياسية بالنتائج الجديدة بعد تغيير قانون اللعبة في الوقت الحاسم. كما تبدو امكانية ذهاب قيس سعيد في ختم القانون الانتخابي فكرة تناقض ماصرّح به الرجل سابقا، ويمكن ان يكون لها انعكاسات وخيمة على علاقته بأنصاره وناخبيه اذا ما بدا لهم منحازا لمصالح أحزاب تريد افتكاك الاغلبية عبر مدخل شرعية القانون. في المحصلة، اذا ما سعت جهات سياسية الى الدفع نحو ختم تعديلات القانون الانتخابي علنا مستقبلا فإن ذلك سيطرح جدالا كبيرا ، حيث لا تبدو المقاربات القانونية و السياسية شديدة التماهي مع الفكرة التي تخامر ذهن بعض السياسيين طمعا في تغيير الموزانات السياسية. رافع بن عاشور (استاذ قانون دستوري) ..لم يعد ممكنا ختم القانون الانتخابي اعتبر استاذ القانون الدستوري رافع بن عاشور في تصريحه ل''الشروق'' أن تعديلات القانون الانتخابي لا يمكن العودة اليها من جديد من الناحية القانونية معتبرا انها استوفت مسارها القانوني بعد رفض الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ختمها. وشدّد المتحدث على أن القانون الانتخابي المعدل في صيغته تلك لا يغير شيئا في التوزنات البرلمانية لو تقرر اعادة الانتخابات لان نسبة العتبة المعتمدة لا تسقط سوى بعض النواب ولان نظام الاقتراع القائم على التمثيل النسبي وأكبر البقايا لا يمكن أن ينتج سوى فسيفساء مشتتة. وخلص رافع بن عاشور الى ان تعديل المشهد البرلماني ليكون أكثر تماسكا كان يقتضي تعديل نظام الاقتراع كليا وليس ادخال بعض التنقيحات التي لا يغير ختمها من عدمه في المسألة شيئا. رابح الخرايفي (أستاذ قانون عام ونائب مؤسس).. ختم القانون الانتخابي سيغير تركيبة البرلمان اعتبر استاذ القانون العام والنائب المؤسس رابح الخرايفي في تصريحه ل''الشروق'' ان ختم القانون مازال ممكنا لانه استوفى جميع الاجراءات الشكلية والاصلية التي يتطلبها المسار التشريعي من نقاش في اللجان والجلسة العامة والمصادقة لافتا الى ان عدم ختمه لا يسقطه بمرور الزمن. واضاف المتحدث ان رئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي لم يتخذ قرارا بخصوص القانون الانتخابي نظرا لحالة العجز الناجم عن المرض الذي افضى الى وفاته وعليه فان الرئيس الجديد لن يجد مشكلا في قراءة التفسير الدستوري خاصة وانه مختص في المجال ويدرك ان ختمه للقانون اجراء سليم وقانوني. وخلص الخرايفي الى انه في صورة اعادة الانتخابات التشريعية على ضوء القانون الانتخابي الجديد فان تركيب المجلس النيابي ستتغير متوقعا تقلص عدد نواب قلب تونس والعديد من المستقلين لافتا الى ان فرضية اعادة الانتخابات باتت واردة ازاء المأزق الحاصل في تشكيل الحكومة؟