إن من تمام حكمة الله سبحانه وتعالى وكمال علمه أنه لم يخلق الإنسان فالإنسان ميّزه الله عن بقية المخلوقات الأخرى بالعقل وحمّله الأمانة وجعله خليفته في الأرض يتصرّف فيها نفعا أو ضرّا وهو مسؤول عن جميع أعماله محاسب عليها. والأمانة خلق جليل من أخلاق الإسلام، وأساس من أسسه، فهي فريضة عظيمة حملها الإنسان، بينما رفضت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها لعظمها وثقلها التي عرضها الله على الكائنات العظمى الأخرى فأشفقن منها ورضي الإنسان حملها. قال تعالى: (إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوما جهولا ) (الأحزاب :72) والأمانة تشمل كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولا وفعلا وهو يتحمّل تبعات أعماله مهتديا بما جاءت به الرسالات السماوية من توجيهات إلى أن ختمت كلّها بشريعة الإسلام وهو أعظم هذه الأمانات التي يجب أن نحفظه ونصونه وذلك بالإمتثال لأوامره ونواهيه وأن يكون ظاهر المسلم كباطنه . إنّ خير ما ننشر به دين الله هو أن يكون المسلمون يمثّلونه في حياتهم أحسن تمثيل فلا يكذبون ولا يغشّون ولا يخادعون ولا يخلفون الوعود والعهود ويربّون أنفسهم وأزواجهم وأبناءهم على الفضيلة والعفة والطهر. قال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع عليهم وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) أبو داود. وبجانب هذه الأمانة العظمى أمانات أخرى وعلى رأسها أمانة من ولي أمرا من أمور الناس مهما كبرت أو صغرت درجة هذه المسؤولية فإنه محاسب عليها إمّا ثوابا أوعقابا. فقد جاء أبو ذر الغفاري إلى رسول الله وقال له ألا تستعملني؟ فضرب الرسول بيده على منكبي أبي ذرّ ثمّ قال له: (يا أبا ذرّ إنّك ضعيف وإنّها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقّها وأدّى الذي عليه فيها). كما روى البخاري عن أبي هريرة قال: بينما النبي في مجلس يحدّث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله يحدّث فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال (أين أراه السائل عن الساعة؟ فقال ها أنا يا رسول الله فقال (فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) قال كيف إضاعتها؟ قال (إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة). كما حذّر الدين كل من ولي أمور الناس من أبسط منصب إلى أعلى منصب من تضييع مصالح العباد واستغلال ذلك المنصب لتحقيق مصالحه الخاصة وجر منفعة له أو لقرابته واعتبر الإسلام ذلك غشا وخيانة. روى مسلم أيضًا عن النبي أنه قال: (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيّةً يموت يومَ يموت وهو غاشٌّ لرعيَّته إلاّ حرَّمَ الله عليه الجنة). ومن الصور الظاهرة لخيانة الأمانة سرقة ونهب المال العام أو الإنفاق منه بإسراف وتبذير دون وجه حق وتلك جريمة نبهنا إلى خطورتها نبينا فقال:(من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غُلول) . وعن عدي بن عميرة الكِندي قال سمعت رسول الله يقول: «من استعملناه منكم على عمل فكتمنا ِمخْيطًا فما فوق كان غُلولاً يأتي به يوم القيامة» (رواه مسلم). ومن الأمانات التي أوصى بها الإسلام أيضا وشدّد على المحافظة عليها إقامة العدل بين الناس عند التقاضي لأنّ ذلك يمثّل سببا للأمن وسبيلا لنموّ ثروة المجتمع وازدهار اقتصاده لأنّ القاضي إذا خاف الله واتّبع طريق العدل اطمئنّ الناس على أنفسهم وعلى ممتلكاتهم وكذلك على أعراضهم وإذا ما اطمئنّ الفرد في حياته ازداد نشاطا وثقة في المستقبل. كما شدد الإسلام على أهمية حفظ الديون وردّها إلى أصحابها وإلا اعتبر من باب أكل أموال الناس بالباطل هذه الظاهرة التي انتشرت كثيرا بين الناس فأصبحت صفة بعض الذين ينتسبون إلى الإسلام الغدر والخيانة الموصوفة ونكث العهد وأكل الحرام.