ديسمبر2025، بالذكرى الخامسة عشرة لاندلاع شرارة الثورة التونسية، وهي محطة مفصلية في التاريخ المعاصر للبلاد، فتحت آفاقًا واسعة لتغييرات جذرية في المشهد السياسي والاجتماعي، لا تزال تداعياتها ومساراتها تشكّل ملامح الواقع الراهن. ويعود هذا التاريخ بذاكرة التونسيين إلى شتاء سنة 2010، حين انطلقت من ولاية سيدي بوزيد تحركات احتجاجية عفوية إثر حادثة أليمة، سرعان ما تحولت إلى هبة شعبية عارمة اجتاحت كافة الولايات، وتُوجت بإسقاط نظام الحكم السابق يوم 14 جانفي 2011، منهية بذلك عقودًا من الحكم الأحادي. وقد رفعت الجماهير حينها شعارات مركزية تمحورت حول "الشغل، الحرية، والكرامة الوطنية"، وهي مطالب شكلت البوصلة الموجهة لمسار انتقالي طويل ومتشعب، شهد صياغات دستورية جديدة، ومراجعات قانونية شاملة، وإعادة تشكيل للخارطة السياسية عبر محطات انتخابية متعددة وتغيرات جوهرية في آليات العمل الحزبي والجمعياتي. وطيلة العقد ونصف العقد الماضي، ظل هذا المسار السياسي مصحوبًا بجدل مستمر حول الملفين الاقتصادي والاجتماعي، حيث تباينت التقييمات بشأن مدى نجاح الحكومات المتعاقبة في تحقيق وعود الثورة، خاصة فيما يتعلق بتقليص التفاوت الجهوي، خلق فرص العمل، وتحسين المقدرة الشرائية للمواطن. ومنذ سنة 2021، شهدت "روزنامة" الأعياد الوطنية تغييرًا رمزيًا هامًا، حيث تم إقرار يوم 17 ديسمبر عيدًا رسميًا للثورة عوضًا عن 14 جانفي، وذلك بمقتضى أمر رئاسي، تجسيدًا لرؤية سياسية تعتبر أن تاريخ 17 ديسمبر يمثل لحظة الانفجار الثوري الحقيقي والتعبير الصادق عن إرادة الشعب، في حين يُنظر إلى تاريخ 14 جانفي في القراءات الرسمية الجديدة على أنه كان محاولة لاحتواء الثورة أو إجهاضها. وتواجه البلاد اليوم تحديات اقتصادية لا تقل أهمية عن الرهانات السياسية، حيث تسعى الدولة إلى تجاوز مخلفات السنوات الماضية والأزمات العالمية المستجدة. وتعمل السلطة القائمة على بلورة رؤية إصلاحية تهدف إلى استعادة التوازنات المالية وتحقيق الاستقرار الاجتماعي. وإذ تطوي تونس صفحة خمس عشرة سنة من التحولات، تتجه الأنظار اليوم نحو سنة 2026 كمحطة مفصلية لاستعادة التوازنات الاقتصادية، حيث تراهن الدولة على مقاربة تنموية جديدة تعيد الاعتبار للبعد الاجتماعي. وتسعى الجهات الرسمية إلى ترجمة مؤشرات التعافي المسجلة مؤخراً إلى مكاسب ملموسة للمواطنين، عبر إعطاء الأولوية القصوى لدعم التشغيل وتحسين الخدمات العمومية في قطاعات الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، تكريساً لمبدأ الدولة الراعية الذي شكّل أحد أبرز استحقاقات ثورة 17 ديسمبر. الأولى