دققبل ايام قليلة يحي مسعود عضو المكتب التنفيذي المكلف بالانتاج الحيواني بالاتحاد التونسي للفلاحة و الصّيد البحري نواقيس الخطر من جديد حول توفر احتياجات التونسيين من اهم مادة اساسية لانها تمس اطفالهم ايضا وهي الحليب معلنا ان أزمة في هذا القطاع انطلقت منذ مدّة طويلة رغم محاولات تفاديها عبر امضاء اتفاقية منذ شهر أفريلالفارط مع الوزارات المعنيّة ولكن إلى اليوم لم يتمّ تفعيلها، وفق قوله. مؤكدا ان تواصل هذه الأزمة سيدفع ضريبتها الفلاح و هو ما سيؤدي إلى انهيار هذه المنظومة أمام تجاهل و مماطلة السلط المعنية والحكومة. وفي الحقيقة فان ازمة الحليب ليست وليدة هذه الفترة او انها حديثة الظهور بل هي متواترة في كل سنة ورغم ذلك فان ازمة ندرة الحليب في تونس تراوح مكانها بل هي آخذة في الاستفحال يوما بعد يوم دون ان تكلف الحكومة نفسها عناء البحث عن حلول صرخ اهل القطاع اكثر من مرة لتفعيلها لانها موجودة وطرحوها في اكثر من مرة وهم اهل الاختصاص والادرى ب"شعاب" مهنتهم لكن الحكومة اغلقت اذانها عن مقترحات الفلاحين والمصنعين وفي كل مرة تلجأ الى حلول ترقيعية لن تزيد الازمة الا "تعفنا" منها توريد الحليب في خطوة لم تفد احدا لا المستهلك ولا الدولة التي تناقص حجم رصيدها من العملة الصعبة الى حدود لا تمنحها هامشا كبيرا من توريد الاساسيات وكان الاجدر ان يتوجه رصيد البنك المركزي من العملة الصعبة الى توريد منتجات لا يمكن تصنيعها في تونس ونحتاجها حاجتنا للهواء والماء وليس لتوريد الحيلب. هذا التعنت من الحكومة قابله اهل المهنة باعلانهمقبل سنة العزم عن ايقاف انتاج الحليب اذا ما لم تعمد الحكومة الى فتح حوار بناء معهم بل انها أصمت آذاناها واغلقتها لتصيب في كل مرة عدوى الندرة منتجات حيوية اخرى مثل البيض وغيرها ليترسخ اليقين بان مشاكل الحليب ما هي الا جزء صغير من مشكل اهم واعمق واخطر هو مشكل الفلاحة برمتها التي ضاعت وسط اكوام من المشاكل والعراقيل يجعل البحث عن حل لها اشبه بالبحث عن ابرة وسط كومة قش. الحكومة ترش الملح على الجرح تنادي اهل المهنة سواء منهم المنتمون الى اتحاد الفلاحين او الى منظمات الاعراف الى الاجتماع اكثر من مرة عارضين مشاكلهم على الحكومة ومقدمين مقترحات لحلها وفي الوقت الذي كانت فيه الحكومة مدعوة الى اتخاذ اجراءات عاجلة لتنشيط القطاع لتلافي توقفه على جميع المراحل من تجميع الحليب الى التسويق مرورا بالانتاج فانها تعاملت بلامبالاة مع قطاع منتجاته تهم الكبير والصغير اذ لا احد تقريبا من التونسيين بامكانه الاستغناء عن الحليب او عن احد مشتقاته لا صباحا ولا مساء واذا ما توقف الانتاج فإنه يعني الكارثة باتم معانيها على المستهلكين وعلى الدورة الاقتصادية ككل للبلاد لان الحكومة ستلتجئ اكثر الى التوريد وقد تنفق كل مدخراتها من العملة الصعبة في توريد الحليب الكافي فقط لتغطية استهلاك شهر رمضان الذي في العادة تشرع الحكومة مبكرا في الاستعداد له بتخزين كميات هامة من المواد التي يكثر استهلاكها في الشهر المعظم والذي سيكون هذه المرة في مفتتح شهر ماي القادم وقد تلتجئ الحكومة مرة اخرى للتوريد لتغطية النقص المنتظر في الحليب في الاسابيع القادمة وخاصة خلال شهري جانفيوفيفري. ارتفاع كلفة الانتاج سبب الأزمة الثابت ان طريقة معالجة الحكومة لازمة الحليب وغيره من المنتجات الغذائية هي "معالجة سياسية" تراعي فيها ان لا يسخط عليها التونسيون ولا يهمها ان كانت طريقتاها في المعالجة تحت شعار "احيني اليوم واقتلني غدا" لانها لم "تتواضع" لتجلس على مائدة الحوار مع اهل الاختصاص من فلاحين ومصنعين ل"تفريك الرمانة" وتوفير حلول جذرية فالفلاح يؤكد ان سبب الازمة هو العزوف عن تربية الابقار المنتجة للحليب لارتفاع كلفة الإنتاج من علف ورعاية صحية للابقار ويد عاملة وعدم دعم الدولة للمربين ونقص الإرشاد الفلاحي وعدم تأقلم سلالات الأبقار التي تمّ استيرادها من الخارج مع مناخ البلاد وهذه العوامل التي أدت إلى تضرر منظومة الحليب والألبان في تونس قدمها بالتفصيل اتحاد الفلاحين ومنظوريه من المربين منذ سنة 2017 مؤكدين أن منظومة الألبان في تونس مبنية على الانتاج وعلى المربين وهم أغلبهم من صغار الفلاحين الذين تضرروا بسبب الارتفاع المشط في كلفة الانتاج منذ سنة 2017، ما دفع بعدد كبير منهم إلى بيع قطيع الأبقار دون أن يتمّ التجديد. وهو ما جعل انتاج الحليب في تونس يسجل تراجعا بنسبة تصل الى 15% بالمقارنة مع سنة 2016، وخسرت تونس خلال السنوات الثلاث الأخيرة 50 ألف بقرة منتجة سواء تمّ ذبحها أو تمّ تهريبها إلى القطر الجزائري حيث يتمّ بيعها هناك بأثمان باهضة. عدم تفعيل الاتفاقية سيجدد الأزمة الغريب ان الحكومة وعدت الفلاحين والمربين بحل الاشكالية من خلال امضائها معهم بتاريخ 24 أفريل 2019 اتفاقية تتضمن نقطتين هاميتين، وتتمثلان أولاً في اعتماد ديناميكية الأسعار بحيث يقع في كل فترة تحيين لاسعار الحليب سواء على مستوى الانتاج أو التجميع أو التصنيع، وثانياً أن الدولة تخصص كل سنة 15 مليون دينار لتجديد قطيع الأبقار لمساعدة الفلاحين الا أن هذه الاتفاقية لم يتمّ تفعيلها إلى اليوم رغم أن الإنتاج اليوم صار غير قادر على تغطية حاجيات البلاد وهو ما سيضطر الحكومة مرة اخرى الى توريد الحليب رغم ان خسارته على واجهتين الاولى تتمثلل في عدم اقبال المواطن على استهلاك هذا الحليب المورد لتعوده على الحليب المحلي والثاني هو مزيد استنزاف رصيد البلاد من العملة الصعبة في ظرف تشير فيه مؤشرات قانون المالية لسنة 2020 ان الدولة محتاجة لكل دولار او اورو لتوفير حاجياتها من مواد اساسية اهمها النفط الذي قد يشهد ارتفاعا في اسعاره في ضوء التوتر الحاصل في بلدان انتاجه وحقيقة لا ندري ان كانت الدولة بالفعل عاجزة عن توفير مبلغ 15 مليون دينار لاغاثة الفلاح التونسي وانقاذ قطاع استراتيجي له علاقة وثيقة بالامن الغذائي ام ان المسالة اعمق من ذلك وهي شجرة تخفي غابة من "اللوبيات" ممن يتمعسون من توريد الحليب ولا يهمهم ان استهلكه التونسي ام لا لانهم قادرون على تحويله لصناعة مشتقات الحليب فهم رابحون في كل الاحوال. وهل يعقل ان تدعم الحكومة الاستهلاك هذا ان سلمنا بحسن نيتها ولا توجهه للانتاج سواء من خلال توفير الموارد العلفيةباسعار معقولة او تحفيز المربي على تجديد قطيعه واقتناء الابقار المنتجة للحليب من السلالات المعروفة في هذا الاطار. غباء مركب كشف تعامل وزارة الفلاحة مع ازمة الحليب المتواترة سنويا عن غباء مركب لديها لانها بالتنسيق مع وزارة التجارة "شريكتها في الغباء" يرميان من وراء توريد كميات من الحليب الى تغطية النقص الحاصل في السوق متناسيتين ان ازمة القطاع هي بسبب ضعف الإنتاج وليس بسببالإحتكار مثل ما أعلنت عنه السنة الفارطة فالمربي لا يمكنه ان يخفي الحليب على المصنع وعن مراكز التجميع لان اجال حفظه محدودة والمصنع ايضا لا يمكنه ان يغلق مخازنه امام ما صنعه خاصة ان التصدير ليس في عنفوانه وهو ايضا مرتبط باجال صلاحية الاستهلاك فهل يعقل ان يخفي ما انتجه ويعرضه للتلف لمجرد الضغط على الحكومة للترفيع في اسعار الحليب. الضرر... شامل اذا كان بامكان الصناعي تغطية خسائره او على الاقل جزء منها بترويج مشتقات الحليب الى حين من خلال ترشيد التصرف في ما يتوفر لديه من مخزون من الحليب وتوجيهه لصنع الياغورت وباقي المشتقات فان مصيبة الفلاح اعظم وأعم اذ في ظل الإرتفاع المتتالي لكلفة العلف الذي وصل إلى دينار واجد تقريبا للكلغ الواحد مقابل ذلك يبلغ ثمن تجميع الحليب 890 مليما لا خيار امامه الا ان يبيع منتجاته بالخسارة وان يفرط في قطيعه الى الجزارين او الى المهربين.قد يتبادر الى الاذهان ان مطالب الفلاح بالزيادة في سعر الحليب كبيرة في حين انها يسيرة بل ان كلفة التوريد اكبر من كلفة الزيادة بكثير فاهل المهنة يحتاجون فقط الى اجراءات تحفيزية في كل حلقاتهم من المربي مرورا بمركز التجميع انتهاء بالمصنع لان في ذلك محافظة على امننا القومي الذي يدخل ضمن اهم مكوناته امننا الغذائي اضافة الى المحافظة على نسيج اقتصادي مثل الدرع الحامي لتونس لان الاستمرار في سياسة التوريد سيجبر الفلاح على التخلص من قطيعه وهو نفس مصير المصنع الذي سيلتجئ الى غلق مؤسساته واحالة عائلات باكملها الى الفقر المدقع نتيجة عطالة عائليها .. وساعتها سنبكي كلنا على "اللبن المسكوب".