تمرّ بنا غدا ذكرى عزيزة على كل مسلم إنها ذكرى مولد محمد صلى الله عليه وسلم العطرة العبقة الفواحة بعطر وشذى سيرته العظيمة وخصاله الكبيرة هذا النبي الخاتم الذي بعثه الله إلى الناس كافة. لقد كان هذا الرسول الكريم منّة كبرى من الله سبحانه وتعالى على البشرية قاطبة: ( لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) (آل عمران/ 164) . كيف لا يكون الرسول منّة وتفضلا من الله تعالى وهو الذي أخرج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الهداية وأعزهم بالإسلام بعد أن كانوا أذلاء وقد أحسن الصحابي الجليل جعفر بن ابي طالب تصوير حالة العرب قبل مجيء الإسلام لمّا خاطب النجاشي ملك الحبشة عند هجرته الأولى إليها قائلا :( كنّا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منّا الضعيف حتى بعث الله إلينا رسولا منّا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه , فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكفّ عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات) .وإن كان النبي غائبا عنّا بجسده وما كان لبشر أن يخلد فالخلود والبقاء للحي الذي لا يموت وتلك حكمة الله في خلقه مصداقا لما جاء في بيان الله تعالى :( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن متّ فهم الخالدون وكلّ نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة وإلينا ترجعون ) (الأنبياء/34/35). ولئن فارقت روحه الدنيا فإنّ رسول الله باق فينا ما بقيت سنّته وما دامت شريعته يتناقلها الأخلاف عن الأسلاف عملا بقوله تعالى:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب/21) فهذه شهادة ربّ العالمين في النبي وفي أخلاقه العالية التي يجب أن نتأسّى بها وأن نستحضر في أذهاننا سيرة هذا الرسول الكريم الذي بشّر بالإسلام دينا ونشر مبادئه السمحة بين الناس. فالإيمان بمحمد وحبه والاحتفال بذكرى مولده ليس مجرّد مناسبة لملء البطون بما لذّ وطاب من الطعام والحلويات وكفى وليس مجّرد مسح للوجوه بالكفوف عند سماع اسمه وكفى وإنمّا هي تخلّق بأخلاقه النابعة من القرآن العظيم واتعاظ بدروسه وحكمه الغالية وها هو رب ّالعزّة يدعونا إلى الاستجابة لمنهج نبيه صلى الله عليه وسلم فقال عزّ من قائل: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه وأنّه إليه تحشرون) (الأنفال /24). إنّ ذكرى مولده عليه الصلاة والسلام مناسبة عظيمة لنا جميعا كآباء وأمّهات ومربّين كي نغرس في نفوس أبنائنا وبناتنا وشبابنا حبّ النبي والإقتداء به لأنه في الحقيقة ومع الأسف قد غابت القدوة الحسنة وأصبح أبناؤنا وبناتنا وشبابنا يتخذون من بعض المشاهير في دول أوروبا وامريكا رموزا في الاقتداء بهم وتقليدهم في الهيئة والسلوك وهذا فيه خطر كبير على بناء شخصياتهم , ولذا بات من الضروري أن نستغل هذه المناسبة الكريمة لترسيخ حبّ النبي عليه الصلاة والسلام في نفوس أبنائنا وبناتنا وذلك بالحديث معهم عن جوانب من سيرته العطرة وعن بعض معجزاته وأخلاقه العظيمة وتوجيهاته الثمينة ومواقفه مع الأطفال والشباب وغيرها من الصفات الحميدة التي لا يمكن لنا أن نأتي عليها كلّها . فعلى هذا المعنى نحتفل بذكرى مولده وعلى هذا الأساس تكون الذكرى ذات جدوى ومعنى في العقول وفي القلوب.