الآن وقد باشر نّواب البرلمان الجُدد مهامهم وانتخبوا رئيس مجلسهم ونائبَيْه، ستكون أنظار ناخبيهم وغير ناخبيهم مُتّجهة نحوهم عساهم يُساهموا في تحقيق تطلعات وانتظارات الشعب.. خمسُ سنوات ستكون مليئة امتحانات متتالية للنُواب الجُدد ليُثبتوا من خلالها، عند أداء مهامهم على الصعيدين الوطني (التشريعي) والجهوي، أنهم في مستوى الثّقة التي منحها إياهم ناخبوهم. ولن يتسنى لهم ذلك إلا إذا كانوا في مستوى المسؤولية المنوطة بهم واتعظوا من أخطاء الماضي التي وقع فيها أسلافهم من نواب التأسيسي ومجلس 2014، والتي أبعدتهم كل البُعد عن العمل النيابي الحقيقي وحوّلتهم إلى لاهثين وراء مصالحهم الخاصة والحزبية وإلى باحثين عن الشهرة السياسية وإلى مُحتمين بالحصانة البرلمانية لارتكاب تجاوزات.. هذه المسؤولية لن تتكرّس على أرض الواقع إلا إذا ابتعد النائب أقصى ما يمكن عن ظاهرة الغيابات التي طالما شوّهت عمل المجلس في العُهدتين السابقتين وعطّلته وعطلت معه الإصلاحات المطلوبة وحوّلته إلى مصدر تذمّر واحتقان لدى المواطنين.. فكيف يسمح نائب لنفسه بالغياب عن عمله صلب لجان المجلس او عن الجلسات العامة أو بالامتناع عن زيارة الجهة التي انتخبته وهو الذي انتخبه الشعب وخصّصت له الدولة أجرا مقابل عمله النيابي يفوق أجر أغلب إطارات الإدارة ويتقاضاه من أموال دافعي الضرائب، ومتّعته بالتفرغ التام عن عمله الأصلي ووفّرت له الحصانة ووفّرت له الحد الأدنى من ظروف العمل؟ ولن يكون النّائب في مستوى هذه المسؤولية إلا إذا ابتعد أيضا عن «جريمة» السياحة الحزبية التي ارتكبها عديد النواب السابقين وشوّهوا بها مبدأ «الديمقراطية التمثيلية» وأخلّوا من خلالها بأخلاقيات العمل النيابي الحقيقي. إذ كيف يمكن للنائب أن ينال احترام وتقدير من انتخبوه على أساس انتمائه للون سياسي معين وهو الذي خذلهم وأدار لهم ظهره بتغيير لونه السياسي والانضمام إلى حزب آخر قد تختلف مبادئه وأفكاره عن حزبه الأصلي؟ ولن يحظى النواب الجُدد باحترام الشعب وباحترام ناخبيهم إلا إذا ما ابتعدوا عن «الشطحات» التي ارتكبها بعض سابقيهم تحت قبة المجلس في محاولة لاستعراض البطولات الكلامية والقدرات «التهريجيّة» وبحثا عن الشّهرة و"النجومية السياسية" أمام كاميرا التلفزة وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. فالنائب الحقيقي هو الذي تكون خطاباته في الجلسات العامة رصينة هادئة تقدم الحلول وتحمل بين طياتها نقدا بنّاء ويكون لها خاصة انعكاس على أرض الواقع عبر العمل والاجتهاد واقتراح الحلول والتقدم بالمبادرات والاجتهاد داخل اللجان البرلمانية حيث يكون العمل البرلماني الحقيقي وليس في الجلسات العامة. لقد كشفت تجربة السنوات الأخيرة أن العمل البرلماني أصبح في حاجة ماسّة إلى مزيد من القوانين والتشريعات التي تُطوّره وتحميه من كل التشويهات، على غرار قانون يمنع «السياحة الحزبية» وآخر يُنظّم ظاهرة الغيابات ويردعها بصرامة إلى جانب ميثاق يُوقعه كل النواب ويلزمهم بخطاب رصين وعقلاني ومسؤول داخل الجلسات العامة وفي المنابر الإعلامية وبمزيد الاجتهاد داخل اللجان. فبذلك يمكن تطوير أداء المجلس، أما إذا ما تواصل الأمر على النحو نفسه فإنه لا يمكن أن ننتظر من النواب الجُدد غير السير على خُطى سابقيهم..