سيكون التونسيون على موعد نهاية هذا الاسبوع مع الاستحقاق الانتخابي الأهم في البلاد وهو الانتخابات التشريعية لاختيار نواب الشعب بالبرلمان القادم. في نظام شبه برلماني، يكون لنواب الشعب الدور الأهم في تسيير شؤون البلاد. فمِن البرلمان تنبثق الحكومة، وأمام البرلمان تمرّ الحكومة بامتحان منح الثقة للوقوف على «صلاحيتها»، وبامتحانات المراقبة الدورية على مدار العام لحماية عملها من كل انحراف، وداخل البرلمان تُصاغ وتمرّ مختلف النصوص والتشريعات المُسيّرة لشؤون البلاد والعباد. يوم التصويت سيكون التونسيون على موعد مع الامتحان الأخطر لاختيار من سيتولّى هذه المهام على مدى 5 سنوات وهو ما يُحمّلهم مسؤولية جسيمة لاختيار الأفضل والامثل لهذا الدور. ولا يكون ذلك ممكنا إلا إذا تحلّى الناخب عند دخوله خلوة التصويت بأقصى قدر من الرصانة والذكاء ومن الدراية التامة بالمترشحين في جهته ليختار الأقدر على تمثيله أحسن تمثيل في البرلمان. ويوم التصويت، سيكون الناخب مُطالبا بالتجرّد قبل دخول الخلوة من عواطفه وبالتسلح مقابل ذلك بعقله. فبالعقل وحده يمكنه التمييز بين المترشح الذي سيكون ناقلا صادقا لصوته ولشواغله ولانتظارات جهته وبين المترشح الذي له طموحات و»مطامع» أخرى تقف وراء رغبته في بلوغ البرلمان. وقد كشفت تجربة البرلمان السابق أن عديد النواب لم يكونوا في مستوى انتظارات من انتخبهم بعد أن تركوا العمل النيابي الحقيقي جانبا ولهثوا وراء خدمة مصالحهم الضيقة. فبعضهم حوّل قبة البرلمان إلى مكان تُدار تحته ألعاب حماية المصالح القطاعية المختلفة، وآخرون جعلوا منه مطيّة لتحقيق مآرب مالية خاصة عبر السياحة البرلمانية والحزبية أو لارتكاب المحظور والتخفي بعد ذلك وراء الحصانة البرلمانية، وهذا دون الحديث عن ظاهرة الغيابات... بينما حوّله شق آخر إلى حلبة صراعات لتصفية الحسابات السياسية والحزبية مع خصومهم أو لتمرير قوانين تتماشى وأهوائهم الفكرية والإيديولوجية وأحيانا مع ميولاتهم ومصالحهم الشخصية، أو لتعطيل قوانين أخرى بهدف ضرب الخصم ومساومته وابتزازه سياسيا وماديا.. اليوم لم يعد أمام التونسيين من حلول للقطع مع كل هذه المظاهر التي ميزت عمل بعض نواب البرلمان السابق غير تجنب أخطاء الماضي وخاصة تجنب التصويت «الأعمى» وغير المدروس والعاطفي لفائدة مترشحين يحملون داخلهم «جينات الانحراف» بالعمل البرلماني الحقيقي التي حملها قبلهم بعض نواب البرلمان السابق. فالنائب الأمثل هو الذي تظهر عليه بوادر الصدق ونظافة اليد والرغبة الحقيقة والتحمّس لخدمة مصلحة الشعب ومصلحة جهته ولتحقيق انتظارات ناخبيه. وهذا لا يمكن أن يتوفر في صنف نواب القطاعات ونواب المصالح الشخصية والسياسية والحزبية الضيقة ولا في نواب «الصدفة» الباحثين عن الحصانة البرلمانية لارتكاب المحظور..