غابت أمس تلك الفرحة التي صبغت تعاليق التونسيين ما بعد الانتخابات والتي بدت من خلالها حالة الانشراح العامة بسقوط «السيستام». وفي أولى جلسات برلمان «السيستام» الجديد لم يبدي التونسي رضاه وإعجابه بما حصل تحت قبة البرلمان من تشنّج وترضيات في توزيع الحقائب البرلمانية. تونس(الشروق) يمكن تبيّن هذه الحالة غير السعيدة التي كان عليها التونسيون يوم أمس من خلال تعاليقهم ومن خلال تصريحاتهم في تقارير تلفزية وإذاعية وفي تصريحاتهم أيضا ل»الشروق» في الربورتاج المصاحب لهذا الملف. فالفايسبوك كان مسرحا للدهشة وتحوّل فيه أنصار حركة النهضة وأنصار حزب قلب تونس الى رجال مطافئ يحاولون رشّ خطاب التبرير والتفسير في مواجهة حرائق التعاليق الغاضبة للأنصار والمستنكرة لسيناريو التقارب المفاجئ الذي حصل بمناسبة انتخاب رئيس البرلمان رغم حرب التصريحات التي سبقت جلسة 13 نوفمبر. كما عبّر الكثير من التونسيين بان المشهد الذي ظهر عليه البرلمان الجديد لا يعكس بالضرورة صورة البرلمان الذي ينشده التونسي كما ظهر الكثير من النواب على حد تعبيرهم على غير الصورة التي يتمناها الناخب في ممثله. احتجاج عائدة مساكني، موظفة في شركة اتصالات بإحدى المدن الساحلية قالت إنّها حصلت على يوم عطلة رسمي كي تستطيع الالتحاق بمجلس نواب الشعب للمشاركة في مسيرة عفويّة دعت اليها ناشطات للاحتجاج ضدّ تواجد النائب زهير مخلوف (نائب عن قلب تونس) تحت قبة البرلمان رغم قضيّة التحرش التي تلاحقه والتي لم تتقدم بعد في مسارها. وتقول عائدة في شهادة ل»الشروق» إنّ تواجد مخلوف تحت قبة البرلمان يقدّم نموذجا سيئا عن المشهد السياسي والاجتماعي في تونس «إذ انه صار بإمكان المتحرش بالقاصرات الدخول الى البرلمان وأداء القسم ليتمتع بالحصانة في مواجهة قضية تمس من قيمة المرأة في تونس تماما كما صار بإمكان المتحيلين والمتهربين الضريبيين والفاسدين الدخول الى البرلمان والحصول على مقعد لتمثيل الشعب» على حد قولها وتأسف عائدة عن عدم التواجد المكثف في المسيرة دفاعا عن القانون وعن الحريات. واعتبرت المتحدثة ان الشأن العام هو شان جماعي مشترك أصبح يشد انظار التونسي سنة بعد أخرى بعد اقتناع الأخير بان صوته ومشاركته هي المحدد في السياسة والبرنامج الذي سيُحكم به دليل ذلك الاهتمام في الفضاءات العامة بما يبثه التليفزيون مباشرة من البرلمان. من جهته قال حاتم يحياوي، طالب جامعي، إنّ الناس أصبحت تكترث لما يحصل في مؤسسات السلطتين التشريعية والتنفيذية و»لكن ما حصل في الجلسة الافتتاحية للبرلمان ربّما اعطى انطباعا سيئا لهذا المتابع المتعطّش لفض مشاكله الاقتصادية والاجتماعية وإيجاد حلول نهائية لازمة تردّي خدمات النقل والصحة والتعليم وغيرها من الازمات الروتينية التي يلاقيها في الخدمات العمومية». وخفّف المتحدث من وطئ هذا الاندهاش العام من التوافق الحاصل في الساعات الأخيرة بين الحزبين الفائزين بمرتبة أولى وثانية في البرلمان قائلا «هذا مسار سياسي طبيعي امام برلمان لا حول ولا قوة فيه لأي حزب مهما اختلف حجم الكتلة فالفائز الأول لا يمثل سوى ربع المجلس وهو جاهز لكل التحالفات من اجل الفوز برئاسة البرلمان وبتشكيل الحكومة». الالتزام ومنع السياحة الحزبية عبّر الكثير ممن تحدثنا إليهم انّهم ينتظرون الالتزام من نواب البرلمان الجديد للقطع مع صورة النائب المتغيّب عن أنشطة المجلس والحاضر كقوة تمثيلية لناخبيه ولكنّ «تغيّب بعض النواب عن أداء القسم أعاد للأذهان صورة النائب القديم الذي سعى الناخب لمعاقبته» على حد قول خولة، موظفة في شركة عقارية، مشيرة الى انّ جلسة الافتتاح تنبئ باقتراب موسم السياحة الحزبية خاصة بعد انقلاب حزب قلب تونس على ناخبيه من حيث التحالف مع حركة النهضة. وينتظر التونسيون ان يكون البرلمان حاضنة حقيقية لمشاغل الشعب من خلال طرح مشاغله اليومية وتبويبها حسب الأولويات وان يكون قوة تشريع قادرة على تحقيق الإصلاحات العاجلة والاستراتيجية لقطع طريق الفساد والمحسوبية وفرض سلطة القانون والمؤسسات «ولكن المشهد البرلماني الذي رايناه طيلة يوم الأربعاء بعيد كل البعد عن هذه الانتظارات» على حد قول سامية حمودة، طالبة جامعية، مضيفة «لا ينبئ المشهد البرلماني الذي رايناه يوم الأربعاء بان برلمان 2019-2024 سيكون مختلفا على برلمان 2014-2019 بل إن البرلمان الجديد قد يكون برلمان التشنّج المستمر بسبب طبيعة تركيبته». وكانت السياحة الحزبية وتغيّب النواب وكذلك وجود شبهات فساد وتحيّل تلاحق بعض النواب أبرز الإشكالات التي مسّت من سمعة وصورة البرلمان السابق وفي تقدير الراي العام لم يكن نواب برلمان 2014 المؤتمنين على أصوات ناخبيهم بل إن أدائهم غلبت عليها المصلحة الحزبية والمصلحة الشخصية الضيقة. وكان الأداء مخيبا للآمال وغلبت عليه سلبيات وتجاوزات عديدة. ويلاقي نواب البرلمان الجديد ما بعد الجلسة الأولى التي غلب عليها التشنج تحديا كبيرا من اجل استرجاع الثقة مع الناخب وتحسين الصورة والسمعة التي بدا عليها المجلس من أولى جلساته حتى لا ينفضّ الناخبين من حولهم وحتّى لا يتكاثر الجليد والقطيعة بين البرلمان والشارع. فاتن مبارك (باحثة في علم الاجتماع) نعيش فترة القيادة الفوضوية! ما حصل تحت قبة البرلمان خلال الجلسة الأولى سواء على مستوى المناخ المتشنج الذي دارت فيه الجلسة وأيضا على مستوى التحالفات غير المنتظرة بالنسبة للراي العام هل يمكن ان نتحدث عن بداية قطيعة بين الفاعل السياسي والاجتماعي؟ في رأيي التوافقات لم تكن مفاجئة فالخزان الانتخابي لحركة النهضة يعتبر ما حصل تحت قبة البرلمان تكتيكا استراتيجيا وهم يلحقون سهم الخيانة علنا بحزبيْ التيار الديمقراطي وحركة الشعب. علما وان خزان النهضة يربطه بالحركة ارتباط ديني مقدس وهو ليس ارتباطا سياسيا او اقتصاديا او اجتماعيا. وقد غلب التشنج على المشهد البرلماني خلال أولى الجلسات. وهذه فوضى من منظور علم الاجتماع ستؤدّي الى التدافع الاجتماعي الذي أسست له حركة النهضة باعتبارها الحزب الديني الثابت مقابل تشتت وانفجار في النخب السياسية. وتعتبر الدكتورة فاتن مبارك، أستاذة علم الاجتماع بجامعة قفصة، ان البلاد انتقلت من القيادة النموذج (الفترة البورقيبية) الى القيادة المستبدة والدكتاتورية (فترة بن علي) الى القيادة الفوضوية وهو الوضع الذي تكرس خلال سنوات الانتقال الديمقراطي. وقالت إن التدافع الاجتماعي يعني العنف «وما عشناه أمس تحت قبة البرلمان هو أولى ملامح هذا التدافع فكل النخب السياسية انفجرت ولم يتبق سوى حركة النهضة كحزب متماسك وهو القائم على المقدّس». كما تقول الدكتورة مبارك إنّ النماذج التي وصلت الى البرلمان (نواب يواجهون تهم فساد وتحرش) هي نماذج فوضوية لا يمكنها باي حال من الأحوال ان تكون سوى مؤشر للتدافع الاجتماعي وانفجار العنف «إذ من غير المقبول ان يكون متحرشا مسؤولا عن التشريع ومن غير المقبول ان يكون رجل اعمال فاسد مصدرا للتشريع ومتهرب ضريبي ومتحيل مصدرا للتشريع». وأكدت المتحدثة ان هذا الوضع ستكون له انعكاسات كبرى على مستوى منسوب العنف والذي سيتزايد مشيرة الى ان «السيستام» الجديد يواجه أسوأ الصور. واعتبرت الدكتورة مبارك ان الشارع ما يزال مصدرا للقوة وأن الرئيس قيس سعيّد إذا أصبح جزءا من هذا السيستام سينفجر الشارع مشيرة الى ان الحركات الاجتماعية ما تزال صاحبة القوة والسلطة وهي القادرة على التغيير.