تواجه المجالس البلدية المنتخبة في سوسة بعد نحو عام ونصف من تركيزها صعوبات جمة في تطبيق مبدإ الحكم المحلي، مما أعاد طرح تساؤلات عن أسباب هذه المعوقات وعن سبل المرور إلى اللامركزية. «الشروق» مكتب الساحل: «الجماعات المحلية تتكون من بلديات وجهات وأقاليم يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون تتمتع بالشخصية القانونية وبالاستقلالية الإدارية والمالية وتُدير المصالح المحلية وفقا لمبدإ التدبير الحر"، هذا الفصل 131 من الدستور والذي يعتبر ثورة على المركزية وتفعيلا حقيقيا لمبدإ اللامركزية، إلا أنه بصعود مجالس بلدية منتخبة برزت صعوبات في تطبيق هذا المبدإ في ظل تراكم العديد من الإشكاليات والمعوقات. "الكل يتعلّم" واعتبر رئيس بلدية سوسة إقبال خالد أن الوضع لا يمكن تغييره بسرعة فالكل يتعلم خاصة أن مجلة الجماعات المحلية حديثة و"نعيش أول مجلس بلدي منتخب مما يتطلب التمرس بالتجربة والوصول إلى بناء صحيح للشأن المحلي في ظرف خمس سنوات يعتبر مكسبا كبيرا ونكون بذلك قد اكتسبنا جملة من المبادئ الأساسية مثل كيفية التصرف والتعامل بيننا كمستشارين وكإدارة" حسب قوله. وأضاف خالد :"وجب ترك بناء صحيح يؤسس للمجلس الذي سيتسلم المسؤولية بعدنا حتى يجد طريقا اسهل وتصورا واضحا، فنحن نعيش خلطا في المفاهيم في خصوص المجلة كل يفسر حسب رغبته وهواه وتأخر إصدار النظام الداخلي للعديد من البلديات منها بلدية سوسة زاد الطين بلة مما خلق بعض الإشكاليات إلى جانب تطاحن داخل المجالس البلدية". وقال الدكتور سمير الطرابلسي، وهو أستاذ محاضر في إحدى جامعات كندا في مجال المحاسبة والحوكمة إنّ "قانون الحكم المحلي والخروج عن المركزية فكرة متميزة ولكن تطبيقها كان فاشلا بسبب عدم كفاءة أغلب رؤساء البلديات ومستشاريهم، والمشكل الأكبر عدم حرصهم على التكوين في مجال الحوكمة المحلية التي تقوم على خمسة ركائز أهمها الشفافية البيداغوحية، أخذ القرار المناسب في الوقت المناسب وتشريك المجتمع المدني تشريكا ناجعا". وأضاف أنه "من الإجراءات العاجلة التي يجب أن تقوم بها البلدية إخضاع مستشاريها إلى تكوين في الحوكمة والتخطيط المحكم والدقيق لمختلف المشاريع والمشاريع المزمع إنجازها". وتساءل رضا الزغمي عضو في مجلس نواب الشعب الجديد "هل نحن أمام حكم محلي حقيقي؟ فنحن في مرحلة انتقالية والحكم المحلي ينقسم إلى مراحل، فهناك مرحلة الحكم المحلي على المستوى البلدي والثانية على المستوي الجهوي التي لم تستكمل بعد مما يجعل المواطن لا يرى حلولا بالعكس فالحلول ستكون موجودة في المستقبل شريطة التمهل والصبر في ظل إشكال مزدوج". التجاذبات الحزبية سبب البلية وأوضح الزغمي أنه "من ناحية السلطة المركزية لا تزال قائمة مما عطل العديد من الإجراءات الإدارية إلى جانب مشكل التجاذبات السياسية والتي هي سبب الاستقالات الحاصلة في المجالس البلدية، فالمستشار البلدي لم تعد تحكمه خدمة الصالح العام بل تحكمه انتماءاته الحزبية وتوجهاته السياسية فأولى الخطوات التي يمكن تفعيلها من أجل تفعيل الحكم المحلي هو تجاوز هذه التجاذبات السياسية والحزبية". فيما قال أحمد السعيدي نائب سابق في مجلس نواب الشعب " قبل سنة 2011 كان العمل البلدي سلسا ولا توجد إشكاليات وكنت مساعد رئيس بلدية سوسة في تلك الفترة وكنا مكبلين فقط بمسألة ارتباط الميزانية بالولاية ولكن اليوم البلدية أصبحت مكبلة بوزارات أخرى في مسائل تتعلق مثلا بالتوأمات وغيرها إلى جانب التجاذبات الحزبية التي أثرت سلبا على العمل البلدي ولا بد من تغيير القانون الانتخابي حتى تصعد أغلبية تحكم وتكون هناك أقلية في المعارضة ويبقى الحكم بعد ذلك للمواطن" حسب قوله. تقاسم المسؤوليات... ورأت المواطنة الشابة شيماء المهدوي أن المسؤولية وجب تقاسمها بين البلدية والمواطن حسب قولها ودعت إلى مزيد بذل المجهودات في مجال النظافة والتنظيم داخل الطرقات وعلى الأرصفة وإيجاد مرابض للسيارات وتحقيق الحد الأدنى من الخدمات للمواطن حتى تبنى المصداقية. وقال فيصل لعبيد رئيس جمعية "سوسة غدا": "الحقيقة الأمر محير فمنذ نظام النيابة الخصوصية هناك صدامات بين المجتمع المدني والبلدية فالمشكل أن المستشارين البلديين في هذا المجلس المنتخب غير شاعرين بأنهم جاؤوا من أجل خدمة الصالح العام، اليوم أصبح لنا مجلس بلدي ومجلس فايسبوكي ويا خيبة المسعى، وهناك العديد من الملفات التي يجب نفض الغبار عنها أولها نظافة مدينة سوسة والبناءات الفوضوية والكورنيش الذي بات كأنه "كرنيش قندهار" في أفغانستان نتيجة البنايات والنزل المهجورة والجدار الذي أقيم على شرفته والذي حجب الرؤية عن البحر" حسب تعبيره. وأضاف أن "المواطن لم يعد له الحق في التمتع بالشاطئ والسباحة لاحتكار أصحاب النزل والشمسيات لمساحات كبيرة وكأننا أصبحنا في دولتين إلى جانب مشكل الانتصاب الفوضوي وعدم تطبيق القانون على الجميع". واعتبر رئيس بلدية سوسة إقبال خالد أن "الإنجاز الأكبر الذي يجب تحقيقه طيلة هذه السنوات الخمس هو التمكن من تطبيق مجلة الجماعات المحلية وأن نتعلم حسن التعامل والتصرف مع بعضنا البعض، فالمجلة تفرض علينا ان يشارك المواطن في المجالس التمهيدية وفي تحديد مشاريعه ولكن ما يزعجني أن وعينا لا يزال ناقصا ولا نغلب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة فلنا عدة مشاكل ونقائص في سوسة في مختلف الدوائر وكل دائرة تقول مشاكلنا الأوْلى، ولو نصل إلى تحديد أولويات المدينة ونتفق عليها مع جميع الأطراف نكون قد حققنا الحوكمة المحلية". وأكّد سمير بوقديدة وهو وال سابق أنه لا توجد سيطرة للولاية على البلدية وأن المشكل يكمن في عدم وضوح صلاحيات السلطة المحلية والسلطة اللامحورية، ففي بعض المناطق تتدخل المجالس البلدية في صلاحيات المعتمد وحصل إشكال ولا بد من نص قانوني يحدد صلاحيات السلطة الجهوية وتوابعها الوالي والمعتمد وصلاحيات السلطة المحلية".