بعد 8 سنوات من الثورة، وتداول 8 حكومات على حكم البلاد، ما يزال أغلب التونسيين يعيشون ضنك العيش جراء تواصل الارتفاع المشط للأسعار وتلاعب المحتكرين بمسالك توزيع الانتاج، فكيف يمكن تحسين المقدرة الشرائية للتونسيين ؟ تونس (الشروق) وبالتوازي مع المشاورات الجارية قصد تشكيل الحكومة الجديدة، تواصل «الشروق» استقراء أهم الاولويات المطروحة التي يتطلع الى تحقيقها التونسيون، حيث نسلّط الضوء اليوم على سبل تحسين المقدرة الشرائية عبر متابعة الملف مع ثلة من الخبراء. وضع خطير وكشفت ورقة بحثية أعدها مركز دراسة الاسلام والديمقراطية مطلع العام الحالي أن القدرة الشرائية للطبقة الوسطى قد تراجعت بين 2010 و 2018 في تونس بنسبة 88 بالمائة نتيجة عدة عوامل، أهمها تراجع قيمة الدينار وتعمق العجز التجاري وتراجع الانتاج وسيطرة المحتكرين والمضاربين على مسالك التوزيع، لافتة الى أنّ عمليات الزيادة في الاجور كل هذه السنوات لم تحل الازمة لكونها انخرطت في حلقة مفرغة من تناوب الزيادات في الاجور مع الزيادات في الاسعار بما ضاعف نسبة التضخم المالي الى حدود 6.5 في المائة، فهل من سبيل ومقترحات عملية لتجاوز هذه المعضلة؟ بسط السيطرة على مسالك التوزيع يجمع خبراء المجال على أن الالية الاكثر نجاعة لتحسين المقدرة الشرائية والتي لم يعد هناك مهرب من تطبيقها هي التحكم في مسالك التوزيع، وفي هذا السياق يرى استاذ الاقتصاد والوزير السابق للمالية حكيم بن حمودة في تصريحه ل››الشروق›› أن الحكومة القادمة مدعوة الى الانتقال بمحاربة الاحتكار من الاجراء الظرفي الى المشروع الوطني المتواصل للقضاء على المخازن العشوائية. ولتحقيق النجاعة في محاربة الاحتكار يتعين الاقتداء ببعض التجارب الناجحة وملاءمة التشريعات مع الواقع، وفي هذا السياق يقترح الخبير الاقتصادي وجدي بن رجب في تصريحه ل››الشروق›› النهل من التجربة البرازيلية التي احتفظت فيها الدولة بدورها التعديلي للسوق على الرغم من تحريره وذلك عبر بعثها لشركات متخصصة في التوزيع لا يمكن للمنتوج أن يسوق الا عبرها ،بما حافظ على استقرار نسبي في مجمل المواد وخاصة منها المواد الاساسية، مضيفا بأنه على الحكومة تعديل العديد من التشريعات في اتجاه منع تخزين المنتجات لفترات طويلة لضرب فلول الاحتكار والمضاربة. كما اقترح الاكاديمي و استاذ التصرف في الجامعة التونسية حليم النفاتي في تصريحه ل››الشروق›› ضرورة مراجعة قانون الصلح التجاري الذي يمكن في الغالب المهربين من دفع هامش ضئيل من الاموال مقابل العفو عن جرائمه، حيث يتعين على الدولة مزيد الردع والتشهير بالمتلاعبين بقوت التونسيين. إجراءات أخرى وتساهم احكام الرقابة على مسالك التوزيع في الحل، غير انها تبقى منقوصة في ظلّ غياب عوامل اخرى من شأنها ان تؤدي الى تحسين المقدرة الشرائية للمواطنين، حيث يقترح وجدي بن رجب تعزيز هياكل الرقابة الاقتصادية بالرصيد البشري الكافي والامكانات المادية الملائمة ، الى جانب اشتغال الحكومة الجديدة على مخطط اقتصادي قصير المدى يهدف اساسا الى تنشيط المحركات الاقتصادية الاساسية لتثبيت سعر صرف الدينار والعمل على الرفع من الانتاج وتقليص العجز التجاري والحد من الواردات العشوائية وتشجيع التصدير فضلا على تبني اجراءات ناجعة في استقطاب الاستثمار حيث تمكن كل هذه العوامل من خلق الثروة وتحقيق وفرة في الانتاج ومن ثمة تحسين القدرة الشرائية. ولتحقيق استدامة في تحسن المقدرة الشرائية يقترح حكيم بن حمودة على الحكومة الجديدة عددا من الاصلاحات الهيكلية المستوجبة في مجالات بات لها تأثير سلبي على عيش التونسيين واصبحت مجالا للانفاق المرتفع، مقترحا ضرورة اعادة تأهيل المدرسة العمومية لتخفيف عبء تكاليف التعليم على الفئات الهشة، واصلاح المؤسسات الصحية العمومية لتعديل تكاليف الصحة والامر ذاته ينسحب على النقل العمومي، وذلك الى جانب مراجعة سياسة الدعم في اتجاه منحه الى مستحقيه. ويخلص خبراء المجال على أن الحكومة القادمة ازاء تحد كبير يتطلع الى الاستجابة لانتظارات التونسيين في تحسين عيشهم في ظلّ وضع مالي متدهور ينذر بمؤشراته مشروع قانون المالية القادم، وهذا التحدي الوطني يستوجب وجود المشروع وانكباب الطبقة السياسية حوله قبل تفجّر الاوضاع الى الاسوأ. استياء من الجملي ابدى عدد من الخبراء الاقتصاديين استياء من رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي على خلفية عدم دعوتهم الى المشاورات الموسعة التي يجريها قصد تشكيل الحكومة، لافتين الى ان المرحلة الراهنة اقتصادية اجتماعية بالاساس وتستوجب تعميق النقاش حول سبل تحسين المقدرة الشرائية.