تزامنا مع فاجعة عمدون التي جدّت أول أمس، تميّز الخطاب الاتصالي للمسؤولين بعدم التناسق ،وغابت عنه الحرفية المطلوبة ، واتجهت مضامينه الكبرى نحو التنصّل من المسؤولية، في حين أن التمكّن من آليات اتصال الازمات بوسعه التقليل من حدتها. تونس – الشروق –: وكانت الارتجالية السمة البارزة لتعاطي الدولة مع مأساة انزلاق الحافلة أول أمس بمنطقة عمدون وما رافقها من وفيات وضحايا،كما أنّ البحث عن تبرئة النفس كان القاسم المشترك في خطاب المسؤولين، من ذلك أن وزير النقل بالنيابة سارع نحو تأكيد حصول الحافلة على ترخيص، بينما انشغلت وزارة التجهيز بابراز سلامة الطريق وتفاعلت صفحتي رئاسة الحكومة والجمهورية في موقع التواصل الاجتماعي مع الحدث بنشر صور آنية لزيارتهما الميدانية لرفع الحرج ولم تعقد أي ندوة صحفية في حجم مصاب جلل. غياب الفلسفة الموحدة لإدارة الدولة التفاعل الاتصالي للدولة مع الحادث الأليم غاب عنه معطى الانسجام والتكامل في التصريحات، وافتقد مقومات الادارة الناجعة للازمة من مصارحة وتحمل مسؤولية وعدم التهرب من الحقيقة ،خلافا لأبسط مقومات الادارة الاتصالية للازمات والتي عرفها الخبير الاتصالي الفرنسي «الكس موشيلي» منذ 3 عقود بكونها المنهجية الاتصالية المستوجبة لمرافقة الوضعية المأسوية قصد ضمان تجاوزها والتقليل من تأثيراتها على الافراد والمجتمع. غياب الاتصال الناجع من قبل الدولة في تونس معطى متكرر يرافق كل الازمات تقريبا، وهو ناجم على جملة من العوامل التي تفسّر بوضوح الانهيار غير المسبوق للدولة وفقدانها لأبسط قواعد الانسجام، وفي هذا السياق يؤكد استاذ الاعلام والعلاقات العامة والاتصال صلاح الدين الدريدي في تصريحه ل"الشروق" غياب الفلسفة الموحدة لإدارة الدولة والتي يعبر عنها غياب ادارة الازمات اتصاليا. فالتعاطي الاتصالي الناجع وفق محدثنا يقتضي أولا تشكيل خلية أزمة متعددة الاختصاصات توحد كل المقاربات وتحترم تباعا حق الجمهور في المعلومة الانية ،والصدقية، وعدم تزييف الحقائق، وتحمل المسؤولية وكل ذلك لمنع التأويلات المتضاربة التي يفرزها غياب المعلومة،ولضمان حسن التحرّك الميداني وضمان عدم تكرر الازمات والفواجع مستقبلا. أسباب الفشل كل هذا لم يحصل لأسباب عدة، حيث يؤكد صلاح الدين الدريدي بقاء مدونة التعاطي الاعلامي زمن الازمات قيد رفوف الحكومة على الرغم من أن مقاربتها وقع الاشتغال عليها سابقا بتعاون دولي ، كما أن التعاطي السياسي مع الكارثة لم يهيئ أرضية التعاطي الاتصالي بل انخرط بدوره في المزايدات، من ذلك ان رئيس البرلمان بدوره سارع الى دعوة نواب ولايات الشمال الغربي والحال أنه لا يمثل الجهاز التنفيذي من ناحية ، وليست له أدوات حقيقية للفعل الى جانب الخطاب. وتكرّر ملاحظة غياب الاتصال الناجع لإدارة كل الازمات في تونس يكشف بوضوح انهيار الدولة، ويرى استاذ علم الاجتماع السياسي جلال التليلي في تصريحه ل"الشروق" ان تشتت الحكم في تونس يلقي بظلاله على كل المستويات، حيث ان الحكم من وراء الستار وتكوين حكومات توافقية على خلاف الصيغ الديمقراطية كل هذه السنوات ادى الى غياب الانسجام في الاداء الحكومي وغياب مبدإ التضامن بين اعضائها وانعكس على الاداء الاتصالي الذي تبرز أعواره زمن الازمات. وعدم ايلاء علم «اتصال الازمة» المكانة الاساسية التي يستحقها في ادارة الدولة يؤدي بالضرورة الى تعاظم الشعبويات وخطب التنصل من المسؤوليات، حيث يشدد المتحدث في هذا السياق على أنّ تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيد اكتفت بالتشخيص ونقد الواقع بدلا من العمل على تغييره وفي ذلك خطورة كبيرة يمكن ان تشرع للشعب الاحتجاج، والحال أنه كان بالامكان ان يشرف سعيد على مجلس وزاري عاجل في الغرض يطابق القول بالفعل وعدم الاكتفاء بالخطب. ولأن تونس تعيش على وقع تشكيل حكومة جديدة لا هامش لها للخطإ امام الانتظارات الاقتصادية والاجتماعية العالية فإن ان استقراء اسباب تواصل الفشل في ادارة الازمات اتصاليا كفيل باستنباط الحلول، ومن بين اسباب هذه الازمة الاتصالية الاختلال الحاصل في المنظومة الاعلامية، حيث يلاحظ الاستاذ صلاح الدين الدريدي ان اكتفاء "الهايكا" بدور المتابع وعدم تدخلها في الارتقاء بالاداء الاعلامي في التلفزات بشكل خاص انتج تغطيات مهزوزة وغير حرفية للفواجع واثر بدوره في عدم الارتقاء بالمنظومة الاتصالية لمؤسسات الدولة. كما باتت الحاجة ماسة وفق محدثنا الى إعادة مراجعة دور الملحقين الاعلاميين في مؤسسات الدولة وإعادة بلورة التدريب الاعلامي على قواعد الحرفية والمهنية لأنه من غير المعقول ان يقتصر دور المكلفين بالإعلام من الاكاديميين على كتابة البيانات ودعوة الصحفيين الى الندوات بدلا من المشاركة في صياغة استراتيجيات اتصال الازمة، وإجمالا يساعد الاتصال الناجع على حسن ادارة الازمات أما البقاء في خانة الارتجالية فانه يعمّق المآسي وينذر بالأسوإ.