في بلد يرتفع فيه من يوم إلى آخر منسوب الفوضى وعدم احترام القوانين وتتفاقم فيه مظاهر الفقر والخصاصة لدى فئات عديدة، كان من المفروض ألا تعول الدولة كثيرا على وعي المواطن لمحاربة وباء كورونا وأن تعمل هي على الرّفع من درجة وعيها ووعي مسؤوليها بالخطر وأن تتحمل الجانب الأكبر من المسؤولية في مجابهة الوباء... فالفصل 38 من الدستور حملها مسؤولية "ضمان الوقاية والرعاية الصحية لكل مواطن " ومسؤولية توفير "كل الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية" وضمان "العلاج المجاني لفاقدي السند ولذوي الدخل المحدود". ولم يُحمّلها للمواطن. وعلى الدولة أن تعلم أن شقا كبيرا من المواطنين الذين تدعوهم إلى التحلي بالوعي وتُحملهم المسؤولية الكاملة تقريبا في حربهم مع كورونا لا حول ولا قوة لهم أمام الخطر الذي يجتاح يوميا حياتهم البسيطة المليئة أصلا بالصعاب. فهذا الصنف بالكاد يُوفر حاجياته اليومية فإذا به يواجه نفقات جديدة لتوفير الكمامات ومواد التعقيم والنظافة والدواء. وهي تكاليف لا يقدر عليها لأنها باهظة. وكان من المفروض أن تكون الدولة "واعية" بمشاغل هذا الصنف فتساعده على توفير هذه المواد مجانا أو على الأقل بأثمان معقولة لا مجال فيها لتدخل السماسرة والمضاربين. وعليها أن تعلم أيضا أن شقّا آخر أفضل حالا ماديّا من الشق الأول. لكنه لا يبالي بالخطر. ويتمادى في تجاوز القوانين والإجراءات الوقائية بعد أن وجد دولة غير مبالية هي الأخرى بالخطر. فأصبح بدوره "فوضيا" تجاه كورونا، غير واع بمخاطرها ولا يجد حرجا في تحدي الدولة والقوانين وإجراءات الوقاية والسلامة. وهذا الصنف كان من المفروض ان تكون الدولة أكثر وعيا ب"خطره". فتتحرك للتصدي له قبل فوات الأوان وتكون صارمة في التعامل معه من خلال إجباره على تطبيق الحماية الذاتية كفرض حمل الكمامات وفرض التباعد وإلغاء كل أشكال الاكتظاظ في شتى المجالات وفرض الحجر الصحي وحظر الجولان إن لزم الامر.. ولا يكفي أن تكون الدولة واعية بحاجيات هذين الصنفين من المواطنين. بل يجب ان تكون على أتم الوعي ايضا بما اقترفه مسؤولوها خلال السنوات الماضية من "جرائم" في شتى المجالات الحيوية وأن تعمل على تداركها. وأبرزها جريمة إهمال القطاع الصحي والقطاع التربوي وقطاع البنية التحتية والمرافق العمومية وقطاع النقل العمومي... فقد كان عليها ان تكون اليوم أكثر وعيا بما تعانيه هذه القطاعات من تدهور زاد في حدة معاناة الناس في حربهم مع كورونا. فتتدارك النقائص وتستنبط الحلول وتوفر الاعتمادات اللازمة وتحث مسؤوليها على العمل بتفان وإخلاص وتطبق القانون بصرامة، قبل أن تدعو المواطن إلى الوعي بالخطر. فوعي المواطن بخطر كورونا سيكون آليا وآنيا عندما يجد وهو في طريقه إلى العمل وسائل نقل غير مكتظة وإدارات سريعة تقدم خدمات رقمية عن بعد ومستشفيات تتوفر فيها أدنى مقومات العلاج والوقاية والنظافة ومنظومة صحية قوية ومنتظمة. وليست كما هي عليه اليوم من فوضى وانعدام مسؤولية، ومدارس ومعاهد يتوفر فيها الماء ومواد النظافة والتعقيم والوقاية والتباعد الجسدي.. إن تعويل الدولة على وعي المواطن في مجابهة الأزمة لا يعدو أن يكون تملّصا مفضوحا من المسؤولية التي حملها إياها الفصل 38 من الدستور وهو ما يمكن ان يكون دافعا لمقاضاتها قانونيا لكن أيضا سياسيا واجتماعيا.. فاضل الطياشي