قبل 600 عام كان لكلية الطب الباريسية أصغر مكتبة في العالم، لا تحتوي الا على مؤلف واحد، وهذا المؤلف كان لعربي كبير. وكان هذا الأثر العظيم ذا قيمة كبيرة، بدليل ان ملك المسيحية الشهير، لويس الحادي عشر، اضطر الى دفع اثني عشر ماركا من الفضة ومائة تالر (Taler) من الذهب الخالص لقاء استعارته هذا الكنز الغالي، رغبة منه في ان ينسخ له أطباؤه نسخة، يرجعون اليها اذا ما هدد مرض او داء صحته وصحة عائلته. آثار عظيمة وكان هذا الأثر العلمي الضخم يضم كل المعارف الطبية منذ أيام الاغريق حتى عام 925 بعد الميلاد. وظل المرجع الأساسي في أوروبا لمدة تزيد على الاربعمائة عام بعد ذلك التاريخ، دون ان يزاحمه مزاحم او تؤثر فيه او في مكانته مخطوطة من المخطوطات الهزيلة التي دأب في صياغتها كهنة الأديرة قاطبة، وهو العمل الجبار الذي خطته يد عربي قدير هو الرازي. وفي شخصية الرازي الطبيب، تتجسد كما في المرآة، كل ما امتاز به الطب العربي وما حققه من فتوحات علمية باهرة. فهو الطبيب الذي عرف واجبه حق المعرفة، وقدّس رسالته كل التقديس فملأت عليه نفسه وجوانب قلبه وهو ينقذ المعوزين ويساعد الفقراء! وهو الموسوعي الشمولي الذي استوعب كل معارف سالفيه في الطب وهضمها وقدمها للانسانية أحسن تقديم. وهو الطبيب العملي الذي يعطي للمراقبة السريرية اهميتها وحقها! وهو المراقب المفكر والبحاثة الكيماوي المستقل والمجرب الناجح! وهو أخيرا المنهجي في عمله الذي أضفى على الطب في عصره، نظاما رائعا ووضوحا يثير الاعجاب.