ثقب أسود عملاق .. علماء الفلك يعلنون عن تفاصيل هذا الاكتشاف    وضع استثمارات هامة لفائدة برنامج التأهيل الصناعي للمؤسسات    منوبة: القرية الحرفية بالدندان تكتسي حُلّة جديدة مع تهيئة المدخل في انتظار ادراجها ضمن المسلك السياحي    أزمة "الكنام" والصيادلة..تطورات جديدة..#خبر_عاجل    صفاقس: إنطلاق خدمات الشباك الموحد لإتمام إجراءات السفر لاداء فريضة الحج    تصنيف الفيفا: المنتخب التونسي يتراجع..    وزارة الشؤون الدينية تحدد 30 ديسمبر كاخر أجل لاتمام اجراءات الحج    وزير الخارجية يدعو ممثلي البعثات الدبلوماسية إلى دعم تونس في الترويج لزيت الزيتون    مقتل قائد بارز في الجيش الروسي بانفجار سيارة في موسكو    Bitget Wallet: أفضل محفظة عملات رقمية ساخنة    عاجل/ هذا ما تقرر في قضية التأمر 2..    عاجل: ال SONEDE تضع أجهزة TPE لخلاص الفواتير    عاجل : جامعة التعلم الاساسي تلغي الإضراب القطاعي المقرر يوم 26 جانفي    بسمة بوسيل تقاضي عرافة ...و السبب تامر حسني ؟    الصيدلية المركزية التونسية تعلن رزنامة توقف التزويد بالأدوية والتلاقيح والأمصال بمناسبة الجرد السنوي 2025    كأس أمم إفريقيا: الملعب الأولمبي بالرباط مسرحا لمباراة تونس و اوغندا    الديوانة تنتدب 250 عريفا    Ooredoo تونس تحتفي بكأس أمم إفريقيا من خلال مهرجان منطقة المشجعين    سيدي بوزيد: 267 تلميذا يستفيدون من البرنامج الوطني للرحلات المدرسية    تأخير النظر في قضيتي مروان المبروك    الحماية المدنية: 394 تدخّلا خلال ال 24 ساعة الماضية    سليانة: تقديرات بإنتاج 95 ألف طن من الزيتون    ممرضة تصاب بحروق بليغة بعد إغمائها..هذه حقيقة ما صار بالضبط في مستشفى قفصة    كأس أمم إفريقيا: مصر تبحث عن إنطلاقة قوية أمام زيمبابوي    لجان التحكيم تعترض على غياب دورها خلال حفل اختتام أيام قرطاج السينمائية    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    البطولة العربية للاندية للكرة الطائرة: برنامج مباريات الدور الاول    طمعاً في الميراث: زوز خوات يستخدمو ''سلاح الأفاعي'' لقتل والدهما    العاصمة: 10 سنوات سجنًا لمسنّ تخصص في ترويج المخدرات    عاجل: تعرّف على طاقم تحكيم ماتش تونس وأوغندا في كأس إفريقيا    عاجل : إيقاف طبيبة تجميل مشهورة في مصر    عاجل: هذه تفاصيل ''بركاج'' التاكسي الذي أنهى حياة السائق    زلزال بقوة 5.3 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    سعر الذهب يسجّل مستوى قياسيا جديدا    وفاة الممثل الأمريكي جيمس رانسون انتحارا عن 46 عاما    عاجل: سفارة روسيا بتونس توضّح وضع طاقم المروحية الروسي-البيلاروسي في مطار جربة    وفاة الصُحفية باذاعة الكاف مروى جدعوني    كنز غذائي على طبقك.. ماذا تفعل "السبانخ" بجسمك..؟    كيفاش تقيس ضغط الدم بطريقة صحيحة وتاخذ قراءة صحيحة؟    مخك في خطر؟ 6 علامات للاكتئاب ممكن تصيبك بالخرف    ماتشوات كأس أمم افريقيا: شوف شكون ضدّ شكون..الوقت والقنوات    تحب تخلّص فاتورة الستاغ على أقساط؟ هاذم الشروط    من غرة 2026: خلّص ''الفينيات'' من دارك ...شوفوا التفاصيل    عاجل/ وضع حدا لحياته: انتحار هذا الممثل شنقا..    كاس افريقيا للأمم ( المغرب- جزر القمر 2-0) المباراة كانت صعبة ولكن الفوز جاء عن جدارة واستحقاق    طقس اليوم: سحب كثيفة وأمطار رعدية منتظرة    وزارة الصحة تحث على التلقيح وتحذّر: النزلة الموسمية قد تشكّل خطرًا على الفئات الهشة    أولا وأخيرا: الولي الصالح سيدي المعلم    من قبلي إلى الأردن...الفنانة التونسية تتأهّل للدور النهائي لذي فويس    بنزرت/ اكثر من 70 مؤسسة صغرى ومتوسطة تشارك في الدورة ال11لمعرض التسوق ببنزرت    القطاع التصديري لتونس يستعيد زخمه في ظل التطلع الى دعم مرتقب خلال سنة 2026    اليوم: أقصر نهار في العام    اليوم: التوانسة يعيشوا الإنقلاب الشتوي    مهرجان المنصف بالحاج يحي لفنون العرائس ومسرح الطفل من 21 إلى 28 ديسمبر 2025    ثلاثة فائزين في المسابقة الشّعرية المغاربية لبيت الشّعر بالقيروان    عاجل : وفاة الفنانة المصرية سمية الألفي    خطبة الجمعة ..طلب الرزق الحلال واجب على كل مسلم ومسلمة    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجموعة "لا قيمة للأسماء" لنصر الدّين الخليفي 3/2: سؤال الكتابة في نص نصرالدين الخليفي
نشر في الشروق يوم 15 - 05 - 2021

نشرنا أمس الجزء الاول من هذه الدراسة التي قال فيها يوسف عبد العاطي ان هم نصر الدين الخليفي في كتابة الاقاصيص لم يكن سؤال: ماذا حدث؟ وإنما كيف حدث معتمدا على ساردين اولهما يروي مأساته أو فاجعته أو هواجسه مفردًا وجمعًا ... والسّارد الثّاني لغة تسامق نحو جمالها فيتجاوز بذلك السارد الاول بالسارد الثاني السّارد الأوّل بالسّارد الثّاني...ونواصل اليوم نشر الجزء الثاني من هذه الدراسة:
ولأنّ أوّل ما يخطف أنظار القارئ في أيّ عنوان أدبي يكون الغلاف الخارجي، أرى أنّه من المفيد التّوقّف عند الانطباع الأوّل الّذي سكنني وأنا أنظر إليه. فقد جمع بين الأناقة والجمال والبساطة. حيث طغى صفاء البياض ليَثْبُت في الذّاكرة ما نُقش في الإطار الأصفر وهو عنوان الكتاب:(لا قيمة للأسماء) وفي الأسفل عبارة (قصص) وهو تقريبًا الأهمّ في هذا الكتاب إلى جانب اسم الكاتب طبعًا.
وقد عُلّق الاسم والعنوان إلى جانب لوحة الغلاف في إطار أزرق رقيق أضفى الكثير من الجمالية حاثًّا القارئ على التّحليق عاليًا في عالم التّأويل من خلال التّصميم الأنيق واللّوحة الجميلة والمُعبّرة والّتي كانت للطّيّار والفنّان الرّاحل أبو العلاء الخليفي وهو ابن الكاتب. وأظنّ أنّ قيمة هذا المنشور تنطلق من جمع كلّ هذه التّفاصيل.
أمّا الغلاف الأخير في المجموعة وهو ما ننظر إليه مباشرةً بعد التّعرّف على عنوان الكتاب واسم صاحبه فقد احتوى على صورتين شمسيتين واحدة للكاتب وأخرى للرّسّام إلى جانب فقرة تعريفية لحياة الكاتب نُقشت بالأسود داخل مربّع أزرق.
ثمّ حين نفتح الصّفحات الأولى في الكتاب نلاحظ غياب الإهداء أو التّصدير لكنّنا نقرأ فقرة قصيرة بقلم المبدع عبد المجيد يوسف وهو جامع النّصوص ومُبوّبها وُمعدّها للنّشر جاء فيها:
بعد وفاة صديقنا القاصّ نصر الدّين الخليفي اتّفقت مع أرملته الشّاعرة السيّدة نزيهة الجديّد على الاعتناء بتراثه الأدبي وإخراجه للنّاس وتلك أيضًا كانت رغبة نجله الطيّار الشّاب الشّاعر الرّسّام أبي العلاء الخليفي الّذي لم يلبث بعد والده طويلًا رحمهما الله.
فكان ممّا ترك المؤلّف في الورق أو في ذاكرة حاسوبه نصوصًا مدرجة تحت عناوين يبدو أنّها جامعة لها من حيث الشّكل خصوصًا. فهي نصوص شديدة الإيجاز مركّزة الكثافة ... في حين أنّ هناك نصوصًا لم يُرتّبها المؤلّف تحت مسمّى مخصوص فسمّيناها نصوصًا مرسلة.
وعسانا بهذا العمل أن نؤدّي حقّ الصّداقة للأديب الرّاحل وللسيّدة نزيهة الجديّد وللأدب عموما... إذ لا يخفى ما للمؤلّف من مكانة في السّرد التّونسي.)
وأرى أنّ هذه الفقرة الموجزة كانت دقيقة المعاني. حيث أكّدت لنا تواصل قيم الوفاء و الصّداقة و الإخلاص، إلى جانب ما قدّمته من معطيات حول كيفية تبويب فصول الكتاب و الّذي احتوى على قسمين جاء أوّلها حاملًا لعنوان (عناوين جامعة) أمّا ثانيها فحمل عنوان:(قصص مرسلة) ثمّ نجد بعدها لوحات قصيرة بقلم الشّاعرة الأرملة و الأمّ نزيهة الجديّد ثمّ نجد بعد ذلك تقديم المجموعة الأولى للكاتب (النّهر يحترق) ثمّ سيرته الذّاتية الّتي خطّها بيده و صدرت ضمن موسوعة تراجم الكتاب القاطنين بولاية سوسة للدكتور محمد البدوي.
كما أشير إلى أنّه وقع توزيع النّصوص في القسم الأول على خمسة أجزاء معنونة كالآتي:
( 1- لا قيمة للأسماء/ 2- بقبري أحفر في يدي/ 3- بأصابع اليد عدًّا.../ 4- انزياحات بنيّة اسمها وردة و أضيف للعنوان « إكرامًالزكرياء تامر... إهداءً إلى كلّ وردة تفتّقت من زبالة هذا الزّمن./ 5- بالأبيض و الأسود).
وقد أصررت على تقديم هذا التّبويب حتّى يتأكّد القارئ من المجهود الكبير الّذي قام به الأستاذ عبد المجيد يوسف حتّى يُعطي لهذه المجموعة المكانة الّتي تستحقّها في المكتبة الثّقافية بل أشعر أنّ هذا المنشور قد ارتقى إلى مستوى الوثيقة الإبداعية.
أمّا الأستاذ عمر السّعيدي فقد كتب تقديمًا استهلّه بالقول:( ما الّذي جعلني أكتب عنك يا أخي نصر الدّين بعد سنة ونصف من رحيلك عنّا؟ إنّه المكان يا نصر الدّين بل قل إنّها الأمكنة.) (ص:7)
ونلاحظ أنّ عمر السّعيدي اختار منذ البدء الحديث عن علاقته بالكاتب وليس بالنّصوص ولذلك وجدت نفسي مُتحفّزًا إلى التقاط البعض من مواقف الكاتب سواء تعلّق الأمر بالحياة أو بالأدب والّتي يكون قد عبّر عنها في بعض الجلسات الخاصّة رغم إيماني بأنّ المجالس بالأمانات. فمغادرة نصر الدّين الخليفي لهذه الحياة تمنحنا أحقّية التّعرّف على هذه المواقف حتّى وإن حصل عن طريق المخاتلة والتّلميح. من ذلك نقرأ مثلًا:(... كنت أقول لك: بئس الثّورة هذه، لم نجن منها سوى الكلام. وكنت أقصد بذلك حريّة التّعبير. تُلطّف منجزعي قائلًا: « هذا مكسب كبير. الحضارة تُبنى بالحريّة. والحريّة تحرّر طاقات النّاس وأفكارهم فيغامرون بالخلق. لا تقلق. سيصلح حال الأمّة ولو بعد حين.) (ص:8/ 9)
ومن خلال هذا الاعتراف نلمس مدى تشبّث الرّاحل بمفهوم الحرية في الكتابة. وهو تقريبًا العنصر الأساسي في بناء إبداع فاعل وقادر على تغيير العقول في المجتمع. والأكيد أنّ المقصود لا يعني أبدًا توفّر مناخ الحرّيّات في البلاد بقدر ما يعني تشبّث الكاتب بحريّته زمن الكتابة حتّى لا ينساق وراء احتوائه من طرف السّلطة أو غيرها. فالحريّة مكسب لا يمكن أبدًا التّفريط فيها مهما كانت الإغراءات.
بعد هذا الاعتراف بقيمة الحريّة الّذي جاء على لسان الرّاحل، يقول عمر السّعيدي:(... ورغم رحيلك المبكّر، اطمئنّ. فقد ساهمت في هذا الجهد الجماعيّ الّذي ندعوه الواجب نحو الوطن... أدَّيت جزءا ممّا كتبه الله عليْك أيْ المشاركة في الإعمار والإصلاح وهذا قد حصل.) (ص: 11) ليخلص في نهاية تقديمه إلى التّصريح:(... كما أنّك ساهمت وأنْتَ متفقِّدٌ في توجيه رسالة التّربية والتّعليم. أمّا كتاباتك رغم قلّتها فستظلّ التّبر في مجال القصّة.) ( ص: 12)
ولا أنكر في هذا المجال أنّني كنت أنتظر من الأستاذ عمر السّعيدي التّركيز على ما تحتويه نصوص نصر الدّين الخليفي من حبكة في السّرد وعمق في المعاني تُخوّل لكتاباته أن تكون «التّبر في مجال القصّة» حتّى يكون حكمه مبرّرًا و مدعّمًا، و هو ما ننتظره عادةً في نصّ تقديمي لقصص فارقنا كاتبها.
و حتّى أكون وفيًّا لاختياراتي الفنّيّة في القراءة، أرى أنّه من المفيد التّوقّف عند الجملة الأولى و الأخيرة في النّصّ الأوّل للكتاب و الّذي حمل عنوان:(اسم) تاركًا للقارئ مهمّة مقارنتها مع المقطع الأوّل و الأخير في النصّ الأخير في المجموعة و الّذي جاء ضمن قسم عنونه المحقّق (مذكّرات أندلسيّة) كانت عبارة عن مذكّرات لزيارة الرّاحل إلى مدن الأندلس، و النّصّ المقصود جاء حاملًا لعنوان:(ما أحلى ليالي إشبيلية و غرناطة أيضًا) .
انطلق السّرد في هذه المجموعة وتحديدًا في قصّة (اسم):
راقصة المعبد الصّغيرة، في جسدها ريّ الوقت وحفيف الرّيح... تعمّد الملوك، وتعلّم أولياء العهد سرّ الحبّ، وتخصف عليها من سدرةالمنتهى ورق التّوت...
وما زالت تتمايل لعشّاقها وترتعش شمعة ضاوية... ما زال يهتزّ لها غصن، وتروي له سرّها برحيق النّحل حتّى... صارت راقصةالمعبد، تلك هي المعبد... و سمّوها عشتار...) (ص: 17)
و نلاحظ في ما تقدّم اعتماد الكاتب على رحيق النّحل عوض رحيق الزّهر حتّى تروي به سرّها.لنجده في نهاية قصّته يقول:(... فإذارأيت اليوم زهرة تعشق الرّقص، فنسغها من دم راقصة المعبد تلك... و إن رأيت اليوم زهرة تتبع متدلّهة عين الشّمس أنّى مالت، فتلك بعينها راقصة المعبد- الّتي ما عادت تسمّى عشتار، و الّتي صرنا نسمّيها اليوم زهرة عبّاد الشّمس ... تلك العاشقة الأبديّة للرّقص و للضّياء.) ( ص: 18) و الأكيد أنّ الانزياح الّذي مال إليه الكاتب قابل لتأويلات مختلفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.