لا يوجد تفسير واحد للزيادات المتواصلة في أسعار المواد الأساسية والمحروقات والضرائب والأداءات والاقتطاع من الاجور غير عجز الحكومة عن إيجاد حلول لإنعاش المالية العمومية دون المسّ من قوت المواطن ومن مقدرته الشرائية. فرغم توفر بدائل عديدة ومُتاحة لتوفير تمويلات إضافية لخزينة الدولة إلا ان مختلف الحكومات المتعاقبة – بما في ذلك الحكومة الحالية - لم تهتد سوى إلى الحلول السهلة التي تعتمد فقط على "نهب" كل ما أمكن نهبه من أموال المواطنين وبكل الطرق المتاحة. "جيش عرمرم" من المسؤولين والمستشارين والتقنيين والمهندسين في مجال الاقتصاد والمال تعجّ بهم مختلف هياكل الدولة، من وزارة المالية إلى البنك المركزي إلى رئاسة الحكومة والوزارات ذات العلاقة ، تركوا جانبا كل النظريات الاقتصادية والمالية الكونية لخلق الثروة واستنبطوا "نظرية تونسية".. وهي النظرية التي تقوم على الزيادات المتواصلة في الأسعار والأداءات والمعاليم الجبائية وفي نسبة الفوائض البنكية وعلى الاقتطاع من الأجور وعلى الإفراط في الاقتراض من الخارج، دون أدنى اجتهاد لاستنباط حلول أخرى.. ألا يعلم أصحاب القرار المالي والاقتصادي في مختلف هياكل الدولة أنه توجد حلول عديدة ومتاحة في بلادنا لتحقيق الإنعاش الاقتصادي والمالي ولخلق الثروة دون التعويل كثيرا على "جيب" المواطن؟ ألا يعلمون مثلا أن خلق الثروة يبدأ من التشجيع على الاستثمار وعلى المشاريع الخاصة التي توفر مواطن الشغل وتُحرك الدورة الاستهلاكية، وذلك عبر تخفيض نسب الفائدة لقروض الاستثمار والتقليص من البيروقراطية وتهيئة البنية التحتية بما في ذلك الرقمنة والانفتاح على الاقتصاد العالمي ؟ ألا تعلم الحكومة أنه توجد ثروة وطنية هامة اسمها الفسفاط لكن انتاجها معطل بسبب ضعف الدولة و"خوفها" وافتقارها الشجاعة اللازمة للتدخل، وأنه توجد أراض فلاحية دولية مهملة قادرة على تطوير الفلاحة وثروات طبيعية متنوعة قادرة على إنعاش السياحة؟ ألا يعلم أصحاب القرار أن عديد الدول اهتدت إلى حل إدماج الاقتصاد الموازي وأمواله في الاقتصاد المنظم واستهدفت بصرامة المتهربين من الضرائب فأنعشت بذلك عائداتها الجبائية؟ ألم يسمعوا عن ثروة الشمس في الجنوب والرياح في الشمال لإنتاج الطاقات البديلة وتخفيف فاتورة الطاقة؟ خيارات وبدائل عديدة كان بامكان الحكومة ان تعمل على تكريسها منذ تسلمها مهامها وأن تستخلص الدروس من فشل وعجز الحكومات السابقة وتتحلى بالشجاعة والجرأة والصرامة اللازمة .. غير أن ذلك لم يحصل بسبب انسياق المنظومة الحاكمة بمختلف مكوناتها في الصراعات السياسية التي دمّرت الاقتصاد الوطني ودفعت بالدولة إلى حافة الإفلاس فلم تجد الوقت سوى لاستنباط الحلول السهلة وهي استهداف المواطن لأخذ ما يمكن أخذه من أمواله بطرق مختلفة ، إضافة إلى اللجوء إلى الاقتراض المفرط من الخارج. لن يقبل المواطن مستقبلا بتواصل مثل هذه الخيارات الفاشلة وتحويله إلى "الحمار القصير" الذي يتحمل ضعف السياسات المالية والاقتصادية للدولة وعبء أخطاء المسؤولين وأصحاب القرار وعجزهم عن الاجتهاد.. فسياسات التجويع والتفقير التي تُسبّبها الزيادات المتواصلة في الأسعار والضرائب و الاقتطاعات من الاجور لن تُولد سوى الاحتقان ثم "الانفجار". وهو ما على الحكومة ان تقرأ له ألف حساب خاصة في الفترة القادمة التي ستكون "ساخنة" اجتماعيا في ظل تواصل تداعيات ازمة كورونا، من بطالة وفقر و تراجع في المداخيل وغلق موارد رزق ومواطن الشغل.. فاضل الطياشي