لن يكون الإعلان عن الحكومة الجديدة كافيا وحده لوضع حدّ لحالة المخاوف والشكوك السائدة اليوم لدى التونسيين حول المستقبل، خاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي إلى جانب الوضع المعيشي، ولن يكون وضع هذه الحكومة مريحا في ظل ما ينتظرها من تحدّيات ثقيلة وانتظارات عديدة من التونسيين. فهذه الحكومة الجديدة ستكون منذ أيامها الأولى مطالبة بإعادة وضع الدولة على السكة الصحيحة في مختلف المجالات بعد سنوات "التدمير" الممنهج لمكاسب دولة الاستقلال وبعد سنوات الفوضى والتسيب والفساد والاستيلاء على المال العام وخرق القانون.. ستكون الحكومة الجديدة مطالبة منذ يومها الأول بإعادة هيبة الدولة المنهارة وبفرض تطبيق القانون على كل المخالفين والمتجاوزين والفاسدين وبفرض الاستقرار الأمني بعد ارتفاع معدلات الجريمة بأنواعها. وستكون مطالبة منذ يومها الأول أيضا ببث رسائل إيجابية تُطمئن المواطن حول معيشته التي أنهكها ارتفاع الاسعار وحول دراسة أبنائه بعد الدمار الذي أصاب المنظومة التربوية وأيضا حول صحته وصحة عائلته في ظل ما بلغه أداء المنظومة العمومية للصحة من تراجع رهيب شأنها شأن بقية الخدمات العمومية الأخرى على غرار النظافة والبنية التحتية والنقل العمومي وحالة الطرقات والخدمات الرقمية . وستكون الحكومة مطالبة أيضا – على الأقل خلال الأشهر القادمة – بفرض الإنعاش الاقتصادي، من خلال بعض الإصلاحات العاجلة لقطاعات الاستثمار والتصدير والتجارة الداخلية والفلاحة والسياحة، وبتحقيق الانعاش المالي لخزينة الدولة عبر محاربة التهرب الضريبي ودمج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظم وإحكام استغلال الثروات الطبيعية على رأسها الفسفاط والمحروقات والتوجه نحو الطاقات المتجددة لتخفيف عبء توريد الطاقة وإصلاح منظومة الدعم لتخفيف عبء التعويض عن ميزانية الدولة إلى جانب مواصلة محاربة الفساد لحماية المال العام من الاستيلاء.. وستجد الحكومة الجديدة أمامها منذ يومها الأول ملفات اجتماعية من الوزن الثقيل تهم ارتفاع عدد العاطلين عن العمل وارتفاع معدلات الفقر والوضع الاجتماعي المتردي لعديد الفئات. وهي ملفات لا يمكن معالجتها إلا عبر تحريك عجلة الاستثمار في القطاع الخاص لتشغيل العاطلين والتقليص من البيروقراطية للتشجيع على المشاريع الخاصة وتدخل الدولة لتسهيل توفير موارد رزق مختلفة للفئات الفقيرة والمهمشة ومزيد العناية بظاهرة الانقطاع المدرسي وارتفاع نسبة الجريمة. فلا يمكن تحقيق أي تطور في المجال الاقتصادي او استقرار في المجال الأمني دون سلم اجتماعي.. تحديات بالجملة لن تكون معها مهمة الحكومة الجديدة هيّنة. وهو ما يفرض على رئيسها وأعضائها ضرورة التحلي بروح المسؤولية الوطنية ليكونوا في مستوى المرحلة التاريخية التي دخلتها البلاد منذ 25 جويلية الماضي، خصوصا أن الحكومة ستكون هذه المرة – عكس السنوات الماضية - مسنودة بإرادة سياسية واضحة عبّر عنها في الأيام الأخيرة رئيس الجمهورية قيس سعيد أكثر من مرة وأعطى من خلالها الضوء الأخضر لمختلف هياكل الدولة للشروع في الإصلاحات ولمجابهة "بارونات" الفساد والاحتكار وللقطع مع كل مظاهر الفوضى والتسيب وخرق القانون والاستيلاء على المال العام.. فاضل الطياشي