من المعلوم أن السبيل معلم هام لتزويد السكان والعابرين بالمياه الصالحة للشراب، وقد كان انشاؤه عادة جارية منذ القدم وخاصة عند المسلمين الذين يحتاجون الى الماء أكثر من مرة في حياتهم اليومية، ومن هناك فقد لعبت الأسبلة دورا أساسيا في الحياة الاجتماعية للسكان وبالتالي فانها كانت من المرافق العامة الأكثر طلبا. لذلك فقد تسابق الحكام في إنشاء الأسبلة طمعا في نيل الثواب والمزيد من الدعاء والعرفان من طرف الأهالي: وتعدّ مدينة بنزرت من المدن التونسية القليلة التي تجمع بها عدد وافر من الأسبلة التي حظيت بعناية فائقة سواء من حيث اختيار الموقع أو إتقان البناء. التوزيع الجغرافي للأسبلة تكشف النظرة السريعة لمواقع الأسبلة ببنزرت ان هذه المنشآت المائية ترتكز في المدينة العتيقة حول الأسواق والاحياء التجارية والحرفية وكذلك المناطق الآهلة بالسكان، فهي لا تبعد كثيرا عن الميناء القديم الذي كان الى حدود سنة 1881 تاريخ انتصاب الحماية الفرنسية بتونس القلب النابض للمدينة. وقد انتصب عدد آخر من الأسبلة ملاصقا للأسوار (سبيل المرسى القديم) او مطلة على الخارج كما هو الشأن بالنسبة لسبيل يوسف داي (16101637) سبيل الناعورة أو سبيل الجرينة، وأضاف الاستاذ عبد الحكيم القفصي في دراسته حول الأسبلة بمدينة بنزرت ان السبيلين أسسا لتلبية حاجيات الجاليات الأجنبية كالتجار والقناصل، وكذلك للوافدين على المدينة من الجهات التونسية الأخرى. طابع ديني ومدني وتبرز مواقع هذه الأسبلة أهمية هذه المعالم المائية بالنسبة للحياة، فهي تشغل الطرق التي يسلكها المارة (سبيل سوق النجارين) او الساحات يتجمع فيها السكان (سبيل باب المدينة) او ناصية شارعين (سبيل باب الجديد). وتبين النظرة الخاطفة لموضع الأسبلة أنها تتخذ طابعا مدنيا ودينيا فالعديد من الأسبلة مرتبط بالتجمعات العمرانية الدينية (سبيل سيدي قعقع وسبيل باب الخوجة وزاوية سيدي بن عيسى وسبيل باب الجديد وزاوية سيدي عتيق). فلم تشيد الأسبلة لابراز سلطة سياسية او دينية فحسب، بل ايضا تلبية لحاجيات عمرانية ولما لا جمالية، فالناظر الى هذه الأسبلة يتبين له أنها مرتبطة أشد الارتباط بالنسيج العمراني والفضاء السكاني والاجتماعي او الاقتصادي، فالاسبلة ليست مباني منفصلة او مستقلة عن محيطها فالحاقها وربطها بالنسيج العمراني كان من الأسس الثابتة في تخطيط مدينة بنزرت عبر العصور.