تعيش السودان على وقع أزمة حادّة قد تذهب بالبلاد لا قدّر الله الى حرب أهلية بعد سيطرة القوات المسلحة السودانية على السلطة و اعتقال رئيس الحكومة عبدالله وحل المجلس السيادي وإعلان حالة الطوارئ وتعليق العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية. المتابع للشأن السوداني (منذ 2019) يعرف جيّدا أن الأمر كان سيصل الى هذه المرحلة بناء على عديد المؤشرات في العلاقة التي حكمت بين المؤسسة العسكرية والمكوّن المدني منذ إسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير 2019 وتشكيل المجلس السيادي بينهما. فالمؤسسة العسكرية التي تحكم قبضتها على البلاد ومؤسساتها ومقدّراتها منذ عقود لم تستسغ أبدا هذه التشاركية في الحكم مع القوى المدنيّة وهي التي اعتادت أن تقود الأمور لوحدها تحت مظلة الأوامر القطعية المنفردة. وتبدو التفسيرات التي قدّمها رئيس مجلس السيادة في السودان، عبد الفتاح البرهان لتبرير "الانقلاب على السلطة" وهي "التشاكس والتكالب على السلطة والتحريض على الفوضى دون النظر إلى المهددات الاقتصادية والأمنية"، واهية ولا أساس لها. و يرجع البعض قيام البرهان بهذه الحركة بعد أن دبّ الخلاف بشأن ترتيبات تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين وفقا للوثيقة الدستورية التي يحكم بها الطرف العسكري والمدني منذ مدّة. ويذهب المتابعون للشأن السوداني في الرأي الى أن التفسيرات التي قدّمها البرهان للأمر الذي قام به تنطبق عليه هو، فهو الذي يريد السيطرة الكاملة على السلطة وحتى الحكومة التي ستسلّم له الأمور مستقبلا ستنبثق عن المؤسسة العسكرية. لذلك كان التنديد الدولي واسعا وشديدا تجاه الحركة التي قام بها البرهان والتي مثّلت في نظر البعض منهم "خيانة غير مقبولة للشعب السوداني" الذي يعيش أزمة اقتصادية حادة منذ سنوات. وبعيدا عن تصرّف البرهان، ينشغل المجتمع الدولي بالتطورات اللاحقة لهذه الأزمة بعد أن دعا "تحالف قوى الحرية والتغيير" إلى عصيان مدني شامل وطلب من "جماهير الشعب الخروج إلى الشوارع". وقد غصّت الشوارع السودانية بالفعل بالاحتجاجات والمواجهات التي راح ضحيّتها عديد القتلى وعشرات الجرحى وربّما ستتطور الأحداث الى أبعد من ذلك بكثير اذا خرجت الأمور عن السيطرة. غير أن الاحتكام الى الشارع سيكون عملية محفوفة بالمخاطر على اعتبار الانقسام الحاصل بين من يؤيد حكم العسكر وبين من يؤيد حكم المدنيين وهو ما سيدخل البلاد في فوضى عارمة. بالإضافة الى ذلك سيكون رد المؤسسة العسكرية على هذه الاحتجاجات عاملا رئيسيا في ما سيقع مستقبلا، خاصة إذا ما قررت استخدام القوة المفرطة ضدّ المحتجين الذين يبدو أنهم لن يتراجعوا بسهولة وهو ما سيدفع البلاد نحو المجهول. بدرالدّين السّيّاري